أخبار اليوم - منذ أنَّ شحَّ الدَّقيق في الأسواق، وارتفاع أسعاره الجنونيَّ أخدت ميس سكيك الَّتي تعيش في مخيَّم بمواصي خان يونس على عاتقها أن تبدأ بنفسها وتمنح جارتها في المخيَّم الَّتي قصدتها بغرض استلاف بعض الدَّقيق لكي تطعم أطفالها، حيث لا تقوى على شرائه ب 250 دولارًا في أفضل الأحوال.
قسَّمت سكيك ما لديها من دقيق بينها وبين جارتها، دون أن تفكِّر للحظة بأنَّها ستتبرَّع بآخر كيلو طحين لديها، رغم أنَّها لن تتمكَّن من توفير خبزًا لأطفالها في اليوم التَّالي.
ومن اندلاع حرب الإبادة الإسرائيليَّة يعاني قطاع غزَّة من مجاعة وصلت ذروتها بعد منع الاحتلال من إدخال شاحنات المساعدات الإنسانيَّة المحاصرين في شمال غزَّة، والنَّازحين في الجنوب، وعند إدخالها تتعاون مع اللُّصوص وقطاع الطُّرق على سرقتها.
تقول سكيك النَّازحة من مدينة غزَّة نحو الجنوب لـ "فلسطين": "أتمنَّى من كلِّ شخص أن يتقاسم ما لديه من طعام بينه وبين من يحتاج، وأنَّ نتكافل فيما بيننا لأنَّنا نعيش ظروفًا صعبةً وكلًّ واحد فينا معرض أنَّ لا يجد قوت يومه في أيِّ وقت".
وتضيف: "مررت بمثل هذا الموقف يوم نزوحي نحو الجنوب قصف بيتي ولم يكن لدي سوى بعض الملابس لأطفالي ولم يكن لدي المال لشراء الدقيق، ومرت ثلاث أسابيع دون أن أجد قطعة خبز، ولكن الله سخر لي شخصًا في المدرسة التي نزحت فيها و كان لديه أكثر من كيس".
وتتابع سكيك: "حينها طلب زوجي منه كيسًا وعلى الفور أعطانا إياه، ولا أستطيع أن أصف فرحة أطفالي حينما صنعت لهم خبز الصاج بعد أسابيع من عدم تذوقه، وحتى اليوم لا يمكنني أن أنسى فضله، وها أنا اليوم أفرج كربة غيري كما فرج الله كربتي في يوم من الأيام".
ويرى مراقبون أن التكافل الاجتماعي، خلال الحرب، كان له دور مهم في منع انهيار الأوضاع بشكل تام، وسد -إلى حد ما- فراغ أحدثه غياب المؤسسات الدولية.
أما سميرة منصور النازحة من رفح قررت أن توزع بعض الخضروات التي لا يستطيع معظم النازحين شرائها بسبب ارتفاع أسعارها، كصدقة عن روح زوجها الذي استشهد خلال حرب الإبادة الاسرائيلية المستمرة من ثلاثة عشر شهرا.
تقول منصور لـ "فلسطين": "أخبرتني صديقتي في إحدى المرات أنها تشتهي أن تصنع الملوخية بطشة الثوم، وكان الثوم شحيحًا في الأسواق ووصل ثمن الرأس الواحد منه عشرين شيقلًا ما يعادل خمسة دولارات، وعلى الفور أرسلت لها بعضًا منه لكي تصنع ما تشتهيه، وينال زوجي أجر الصدقة".
وتتابع: "كما أقوم عادة بزيادة كمية الطبيخ أي كان نوعه، وأقوم بتوزيع صحن منه على جاراتي في المخيم ممن أشعر بأنهن لا يستطعن شراء الطعام في هذه الأوقات الصعبة".
وتردف منصور: "أحث بناتي دائمًا على اقتسام رغيف الخبز مع زميلاتهن في الخيمة التعليمية، والمصروف واعطائهن جزء من التسالي والحلويات التي يشترينها هناك".
أما شهيرة إسماعيل فاتخذت عهدًا على نفسها منذ بداية الحرب أن تتقاسم ما يأتيها من مساعدات، وكوبونات مع أبنائها وبناتها المتزوجين فجميعهم فقدوا مصدر رزقهم.
كما يفعل أبنائها وبناتها نفس الشيء معها، وتعتبر أن هذا الأمر خفف من وطأة الأيام الصعبة التي مرت بها خلال رحلة نزوحها برفقتهم.
وتقول إسماعيل (65 عامًا): "وفي داخل المخيم حينما لا يكون لدي دقيق، أو سكر أقوم بالاستلاف من جاراتي، وهن يفعلن ذلك حينما لا يتوفر لديهن، وأجود عليهن بما لدي، وقمت مؤخرا بزراعة بعض الخضروات والورقيات وأوزع عليهن بعضا من البقدونس، والفجل، والجرجير".
وتستذكر إسماعيل موقفا لجارة لها في المخيم لم يسبق أن عرفتها من قبل، كيف أنها فتحت لها أرضها كما فعلت مع عشرات النازحين، وتركت غرفة الباطون المسقوفة بالزينكو لها ولزوجة ابنها التي خضعت لعملية ولادة قيصرية لمدة شهر حتى تمكنت من التعافي، وعادت صاحبة الأرض إلى بيتها الذي دمر جزئيًا في منطقة البطن السمين.