أخبار اليوم - أثَّرت الصَّدمات النَّفسيَّة المتتالية على الطِّفلة غزل مسعود البالغة من العمر (5 أعوام) وتسبَّبت لها في مشكلات بدأت تظهر بـ "تأخُّر النُّطق" بشكل ملحوظ بعدما شهدت أحداث "مروِّعة" قريبة من منطقة نزوحها في مخيَّم النُّصيرات.
وقد كشف تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، نُشر عام 2021- بعد شهر من انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة في ذلك العام- عن أن 90% من أطفال غزة يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
فكيف يمكن تصوّر نسبتهم اليوم بعد عام من مشاهدتهم لحرب الإبادة، وتعرضهم للقصف المباشر والتهجير والتجويع واليُتم، وربما للاعتقال والتعرية ولملمة أشلاء أحبائهم كما رأينا في بعض الفيديوهات المتداولة؟!.
تقول والدة الطفلة غزل، لـ "فلسطين أون لاين"، "بعد نزوح متكرر وما شهدته من أحداث أصبحت تعاني من اضطرابات شديدة في النطق، وبدأت تشعر بصعوبة في نطق بعض الحروف، حيث تعجز عن تركيب جمل كاملة وتشعر بالتوتر الشديد عندما تتحدث خاصة أمام الناس".
لكنها تشير إلى أن طفلتها لم تتعافَ تماماً من الصدمة، على الرغم من أنها توليها اهتماماً خاصاً وتنام إلى جوارها في الليل لمساعدتها على التعافي.
ورغم التدخلات النفسية والعلاجية، لا تزال تعاني من صعوبة في التواصل مع قريباتها وصديقاتها وأفراد عائلتها.
أما الطفل يوسف زمو الذي لم يتجاوز عمره 6 أعوام ومصاب بمتلازمة داون من الدرجة البسيطة، كانت تتابع معه والدته في مركز خاص بالنطق وجاءت الحرب لتنسف كل جهود والديه.
تقول والدته لـ "فلسطين أون لاين"، "في الفترة الأخيرة عاش يوسف في بيئة مليئة بالأصوات المدويّة نتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية، وفقدانه والده في قصف بمدينة غزة، فأثر ذلك على نطقه، وبدأ يظهر تلعثم واضح في كلامه وصعوبة في النطق الصحيح للكلمات القليلة التي ينطقها، بالرغم من الدعم النفسي الذي تلقاه، لا يزال يعاني من صعوبة في التفاعل مع أقرانه".
الحرب والنزوح
ومن جهته، يتحدث أخصائي النطق علاء الصوص بأن مشكلات النطق متنوعة وأسبابها كثيرة، وهي مشكلة تحدث نتيجة مشكلات عضوية أو مشكلات اجتماعية، فالنطق واللغة هي وسيلة للتعبير عن المشاعر والاحتياجات والتواصل مع الآخرين بشكل سلسل ومفهوم.
ويوضح بأن الحرب كانت سبب كبير جدًا في التأثير على الأطفال بشكل عام، حيث أدى إلى وجود مشكلة في النطق، وهي التأتأة الكلامية حيث تعد من أخطر مشاكل النطق بسبب تطورها بشكل سريع أثناء وجود مشاعر الخوف والفقدان والقلق، كعند وجود قصف للمنازل أو سماعهم صوت اطلاق النار، فإنه يؤثر علي نفسية الطفل مما يؤدي إلى وجود مشكلة نطق كبيرة يعاني منها وتؤثر على تواصله.
ويشير الصوص، إلى أن هناك أطفال أيضًا فقدوا القدرة على النطق بشكل كلي نتيجة الخوف والصدمة، كما يوجد أطفال فقدوا النطق نتيجة اصابة بشظايا في الرأس أو طلقات نارية، أو عند القصف فقد خرجوا من تحت الأنقاض.
ومن جانب، بحسب أخصائي النطق، آخر هناك أطفال تأخروا في النطق والكلام بسبب عدم وجود بيئة مناسبة لتطوير الكلام والنطق من العاب وتفاعل اجتماعي، فأصبح عدد كبير من الأطفال كلامهم قليل جدًا وغير مناسب لعمرهم الزمني".
كما يلفت إلى، أن هناك أيضًا أطفال يعانون من مشكلات في مخارج الحروف ولا يجدوا مكان آمن أو مختصين لعلاج النطق والكلام في الحرب، وعدم قدرة الأهل على تحمل التكلفة المالية لعلاجهم.
وينبه إلى أن نسبة انتشار مشكلة النطق في زيادة بشكل غير طبيعي أكثر بكثير من قبل الحرب العام الماضي.
وعن سبل العلاج، يشير أخصائي النطق، إلى الخطوة الأولى في المعالجة تتمثل في استشارة أخصائي التخاطب القريب منك، واللجوء إلى المؤسسات التي يوجد لديها خدمه النطق والكلام، وتوفير الدعم النفسي لطفل بشكل مستمر ومتواصل وزيادة ثقته بنفسه.
ويذكر أن الكلام المتواصل مع الطفل بشتى المواضيع حيث يكون الكلام بشكل طبيعي وواضح، وعدم تقليد الطفل أثناء الكلام إذا كان يعاني من مشاكل في الكلام، وتركه يعبر عن نفسه، ومحاولة دمجه في أنشطة اجتماعية.
ويبين الصوص أن النزوح المستمر والمتكرر من أحد العوامل التي تزيد من المشكلة، لعدم وجود بيئة مناسبة وتأقلم على مكان النزوح الجديد، وعدم استمرارية الطفل في العلاج مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة في حال كان يتابع مع مختص.
ويوضح أن المشكلة قد تستمر في حال وجود الخوف والصدمات والفقدان، وعدم توفر بيئة مناسبة فيها جو أسري وترابط وتفاعل اجتماعي، وعدم توفر ألعاب وأدوات لتطوير اللغة، واستمرار النزوح والحرب.
وفي تقارير ذي صلة، كشفت تقارير تناولت المعاناة النفسية للأطفال في ظل ثالوث الإبادة والجوع والخوف، كشفت دراسة جديدة أن 96 بالمئة من الأطفال في غزة يشعرون بأن موتهم قريب، في حين أن نحو نصفهم يتمنون الموت نتيجة للآثار النفسية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل على القطاع للعام الثاني على التوالي.
وتشير الدراسة التي أجرتها منظمة غير حكومية مقرها غزة، برعاية تحالف "أطفال الحرب"، إلى التأثير النفسي المدمر للحرب على أطفال قطاع غزة، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقالت هيلين باتنسون، الرئيسة التنفيذية لمنظمة "أطفال الحرب" في المملكة المتحدة: "يكشف هذا التقرير أن غزة تعد واحدة من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة للأطفال. بالإضافة إلى الدمار المادي للمستشفيات والمدارس والمنازل، فإن الدمار النفسي الذي يعاني منه الأطفال جرح غير مرئي لكنه مدمر".
تضمنت الدراسة تقييما لآراء أولياء أمور أو مقدمي رعاية لـ504 أطفال من أسر تعاني من الإعاقة أو الإصابات أو نقص الخدمات. وتم إجراء التقييم في حزيران/ يونيو من هذا العام، ما يعني أنه قد لا يعكس تماما التأثير النفسي المتراكم على الأطفال بعد أكثر من 14 شهرًا من العدوان الإسرائيلي.
وبحسب التقديرات، فقد استشهد أكثر من 44 ألف شخص في قطاع غزة منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، منهم نحو 44 بالمئة من الأطفال، وفقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وكشفت الدراسة عن مجموعة من الأعراض النفسية الشديدة لدى الأطفال، مثل: الخوف، القلق، اضطرابات النوم، الكوابيس، قضم الأظافر، صعوبة التركيز، والانسحاب الاجتماعي.
وشهد هؤلاء الأطفال قصف منازلهم ومدارسهم، كما أنهم فقدوا أحباءهم وتشردوا أو انفصلوا عن عائلاتهم في أثناء فرارهم بحثًا عن الأمان.