أخبار اليوم - سهم محمد العبادي - في خضم أزمة تضرب قطاع التأمين في الأردن، جدد اتحاد شركات التأمين مطالبته للحكومة برفع أقساط التأمين الإلزامي على المركبات، معتبرًا أن الأسعار الحالية، التي لم تشهد تعديلًا منذ أكثر من 20 عامًا، أصبحت عبئًا على شركات التأمين وتساهم في استنزافها ماليًا. هذه المطالب فتحت بابًا واسعًا للجدل بين الشركات والجهات الحكومية، وسط مخاوف من انعكاس الأزمة بشكل مباشر على المواطن الذي يتحمل أعباء اقتصادية متزايدة.
الرئيس التنفيذي للاتحاد، مؤيد الكلوب، قال في تصريحات صحفية إن قطاع التأمين يعاني من خسائر مستمرة نتيجة الفجوة بين محفظة الأقساط ومحفظة التعويضات. وأشار إلى أن الحوادث المفتعلة وشراء الكروكات والتقارير الطبية المزورة تضاعف التحديات التي تواجه الشركات. وأوضح أن ثلاثة شركات أُغلقت خلال السنوات الأخيرة، بينما توقفت شركتان عن تقديم التأمين الإلزامي، مؤكدًا أن الوضع الحالي بات يشكل تهديدًا لاستمرارية القطاع.
وأضاف الكلوب أن رفع قسط التأمين الإلزامي بمقدار 50 دينارًا فقط كفيل بتجنب انهيار المزيد من الشركات، داعيًا إلى تعديل التشريعات لضمان مكافحة الممارسات غير القانونية التي تستنزف موارد الشركات. كما أكد أن غياب الإصلاحات الضرورية قد يدفع الشركات إلى التوقف عن تقديم التأمين الإلزامي بشكل كامل، ما سيضع الحكومة والمواطن أمام أزمة كبيرة.
على الجانب الآخر، رفضت اللجنة القانونية النيابية هذه المطالب بشكل قاطع، حيث أكد عضو اللجنة آية الله الفريحات أن تلويح شركات التأمين بوقف التأمين الإلزامي مرفوض جملةً وتفصيلًا. وأوضح أن القانون الحالي ينظم قطاع التأمين بشكل كافٍ ولا يستدعي أي تعديلات لرفع الأقساط. كما شدد على أن أي خطوة لزيادة الأعباء المالية على المواطن لن تكون مقبولة تحت قبة البرلمان، داعيًا شركات التأمين إلى تحسين كفاءتها الإدارية والتشغيلية لمواجهة تحدياتها المالية بدلًا من تحميل المواطنين مسؤولية هذه الخسائر.
وفي سياق متصل، أشار المراقب العام الأسبق للشركات محمود عبابنة إلى أن التأمين الإلزامي بات يُشكل عبئًا ماليًا على شركات التأمين، حيث لم تعد محفظة الأقساط تغطي محفظة التعويضات. وأوضح أن ثلاث شركات غادرت السوق خلال العام الماضي، بينما اضطرت الشركات الأخرى إلى تقليص عملياتها وتسريح موظفين لتقليل الكلفة التشغيلية. وبيّن أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية أكبر، ليس فقط على قطاع التأمين، بل على السوق الأردني ككل.
في ظل هذا التصعيد، يجد المواطن نفسه في قلب الأزمة، حيث إن أي زيادة في أقساط التأمين ستنعكس بشكل مباشر على ميزانيته الشهرية، في وقت يعاني فيه الأردنيون من ضغوط معيشية متزايدة وارتفاع تكاليف الحياة. ومن ناحية أخرى، فإن توقف التأمين الإلزامي سيؤدي إلى تعطيل معاملات تسجيل المركبات ويضع المواطنين أمام مخالفات قانونية، مما يزيد من الأعباء المالية والاجتماعية عليهم.
الأزمة تضع الحكومة أمام تحدٍ كبير للتوفيق بين مطالب شركات التأمين وحماية حقوق المواطنين. يرى خبراء أن الحلول الممكنة تشمل إجراء مراجعة شاملة لهيكلية التأمين الإلزامي، مع ضبط الرقابة على الممارسات غير القانونية التي تفاقم خسائر الشركات. كما يقترح البعض استحداث نظام تأمين يعتمد على سلوك السائق بحيث يُكافَأ السائقون الملتزمون بتكاليف أقل، مما يخلق عدالة أكبر في توزيع الأعباء.
الحكومة تواجه معادلة صعبة؛ فمن جهة، استقرار قطاع التأمين يُعد أمرًا ضروريًا للحفاظ على الثقة بالاقتصاد الوطني، ومن جهة أخرى، لا يمكن تحميل المواطن مزيدًا من الأعباء المالية دون إيجاد حلول عملية وعادلة. الأزمة الحالية قد تكون فرصة لإعادة صياغة قطاع التأمين ليصبح أكثر كفاءة وشفافية، بما يضمن استدامته دون المساس بحقوق المواطنين.