أنا الأردن

mainThumb
سهم محمد العبادي

18-12-2024 10:44 PM

printIcon

سهم محمد العبادي
كلما استمعت لأغنية وطنية قديمة، شعرت وكأن الأردن ينهض من بين الجبال، يعيد إليك تلك الروح التي تملأ قلبك حبًا وفخرًا بالأرض التي تربيت عليها، أغنيات كانت تُبث قبيل نشرة الأخبار، أو في ساعات الصباح الباكر، وكأنها تدعونا بصوت خفي للالتفات نحو ما هو أهم: الوطن.

في ذلك الزمن، كان الراديو يبث "أنا الأردن" بصوت إسماعيل خضر، كلمات سليمان المشيني، فأشعر أنني أقف أمام شموخ هذا البلد، أمام جبال عجلون وسهول إربد وصحراء معان، ولم تكن الأغاني مجرد كلمات؛ بل كانت نشيدًا عابرًا للأجيال، يزرع فينا حبًا مترامي الأطراف، بحجم الأردن.

كنا نسمع "أردن أرض العزم" لفيروز، فيُصبح القلب خريطة، تمتد من الشمال إلى الجنوب، فكلمات سعيد عقل كانت بحجم السماء، وألحان الأخوين رحباني كانت توقظ كل ذرة انتماء فينا، فهذا هو الأردن؛ حيث تصدح فيروز بأغانٍ تُغني وطنًا كاملًا، لا شارعًا ولا مبنى.

"مرحى لمدرعاتنا"، لتوفيق النمري، كانت تُنشد قوة الجيش الذي يستند إليه ظهر هذا الوطن، ترسم صورة الجنود المرابطين على الحدود، والذين يشبهون قمح البلقاء حين ينحني، لكنّه لا ينكسر، فهذه الأغنيات وحدت الشعب والجيش، ربطت الأرض بالإنسان، وكانت ترفع الراية في قلوبنا قبل أن نراها تُرفرف في السماء.

أما "عمان" لفارس عوض، فقد كانت أغنية تليق بالعاصمة؛ تلك المدينة التي جمعت في شوارعها كل أطياف الأردن، من الأحياء القديمة إلى ضجيج الحداثة، فصوت فارس عوض كان كأنه يربت على أكتافنا، يقول لنا: عمان قلبكم، فكيف لا تفتخرون بها؟

اليوم، ونحن نرى ما يُسمى "الأغاني الوطنية الحديثة"، يحق لنا أن نتساءل: أين الأغنية التي تُغني للأردن كلّه؟ أين الكلمات التي تُوحّد ولا تُجزّئ؟ لقد أصبحت بعض الأغاني كأنها تحاول تقسيم الوطن إلى أجزاء صغيرة، تغني لمؤسسة أو لحيّ، وكأن الأردن قطعة قماش تُفصل على المقاس.

نحن بحاجة إلى الأغنية التي تُعيد لنا صورة الفلاح يحرث الأرض، والعسكري يحرس الحدود، والعامل في مصنعه يبني الوطن بصمت، نحتاج إلى أغنيات تقول إن الأردن كبير، أكبر من أي تفصيل، وأعظم من أي محاولات للسطحية، وترسخ الثقافة الوطنية فنيا.

"أنا الأردن".. تلك الأغنيات التي رددناها أطفالًا في الطابور الصباحي، وحفظناها عن ظهر قلب، كانت تُعطي للهوية معنى، وللوطن شكلًا أجمل، فاليوم، ونحن نقف على أعتاب مستقبل جديد، نحتاج لأن نعود إلى تلك الروح، إلى الكلمة الصادقة، واللحن الذي يُشبهنا.

هذا هو الأردن، الذي كان وسيبقى، مهما حاولت الأغاني الحديثة أن تُفرغ معناه، فالأردن ليس شارعًا ولا منطقة، بل هو الأرض التي تجمعنا، والهُوية التي لا تُشترى ولا تُباع. "أنا الأردن".. وكل أغنية تُشبهني تُعيدني إلى حيث أنتمي: إليك يا وطني.