سهم محمد العبادي
منذ سنوات طويلة، وأنا أراقب هذا الكلب الصغير الذي يجلس على تابلوه السيارة كأنه جزء أصيل من المشهد اليومي للطرقات.
"كلب التابلوه"، التحفة المتواضعة التي تأبى أن تغيب عن مشهد الطرقات، يعيش حياة غريبة لا ينافسه فيها أحد، لا يتحرك من مكانه أبدًا، لكنه يهز رأسه بلا توقف، موافقًا على كل شيء، وكأنه يقول لنا جميعًا: "أنا هنا فقط أهز رأسي، فلا تسألوني عن أي شيء آخر".
السيارة تنطلق؟ يهز رأسه، البريكات تُضغط فجأة؟ يهز رأسه، مطب يهز المركبة؟ لا بأس، يهز رأسه أكثر، وكأنه مصمم خصيصًا ليقول: "أنا معك على الطريق، مهما كانت الأحوال، فقط لا تنساني".
هذا الكلب البسيط أصبح أسطورة الطرقات الصامتة، شاهداً على كل ما يحدث داخل المركبة وخارجها، إنه الوحيد الذي لا يشتكي من المطبات، ولا يغضب من السائقين المتهورين، ولا حتى ينزعج من زحمة السير، إذا وقفت السيارة لساعات في شارع مكتظ، يبقى الكلب يهز رأسه، وكأنه يستمع إلى سيمفونية حركة المرور التي لا تنتهي.
الغريب أن كلب التابلوه يتعايش مع كل البيئات والأجواء، إذا كانت السيارة جديدة وفارهة، يلمع وكأنه جزء من تصميمها الأصلي، وإذا كانت السيارة قديمة، مهترئة، ومليئة بالخدوش، يبدو وكأنه يقول: "لا بأس، سأظل هنا أهز رأسي دعماً للمركبة ولصاحبها".
والطريف أن كلب التابلوه يشبه كثيراً بعض الركاب، لا يتحدثون، لا ينتقدون، ولا يعلقون، فقط يهزون رؤوسهم مع كل كلمة يقولها السائق، سواء كان الحديث عن الطقس، أو عن مفك شق رنج 14.
لكن ما سر هذا الكلب؟ لماذا يهز رأسه طوال الوقت؟ قد تكون هذه الحركات الصغيرة انعكاساً لعبقريته الخفية، فهو يعرف أن الحياة مليئة بالمطبات والمنعطفات، ولا يوجد حل سوى أن "نهز رؤوسنا" ونتجاوز، أو ربما هو مجرد قطعة ديكور بلاستيكية، يذكرنا دائماً بأن البساطة هي مفتاح التعايش مع كل الظروف.
في نهاية الأمر، كلب التابلوه ليس مجرد لعبة، إنه فلسفة حياة على أربعة إطارات، يعلمنا أن الطريق طويل، مليء بالمطبات، لكن طالما أنك تستطيع أن تهز رأسك بابتسامة غير مرئية، فستصل حتماً إلى وجهتك، مهما كانت بعيدة.