أخبار اليوم - عواد الفالح - في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد البيوت كما كانت في السابق، حصونًا آمنة تحمي خصوصية الأسر وتصون حرماتها، بل أصبحت بلا حرمة، مكشوفة أمام الجميع، صغيرهم وكبيرهم، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وإناثًا قبل الذكور.
هذه الحقيقة المؤلمة تتجلى بشكل صارخ في ظاهرة جديدة تتمثل في قيام بعض الأزواج بتحويل حياتهم العائلية إلى محتوى علني، يعرض تفاصيلها الدقيقة أمام ملايين المتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي.
محمد علي، موظف حكومي وأب لثلاثة أطفال، يقول: "البيت الذي كنا نعتبره جدارًا يحمي خصوصيتنا، أصبح اليوم مكشوفًا بلا جدران أمام العالم كله، الصغار والكبار يشاهدون تفاصيل لم يكن يجب أن تخرج من باب المنزل، ما يحدث الآن هو انتهاك صارخ للقيم كلها التي تربينا عليها".
هذه الظاهرة ليست مجرد مشاركة عفوية للحظات عائلية، بل تجاوزت ذلك لتصبح استعراضًا متعمدًا، يهدف إلى جذب المتابعين وتحقيق الشهرة، ولو على حساب القيم الأخلاقية والمعايير الإنسانية.
أم خالد، ربة منزل، تضيف بحسرة: "حتى الأطفال يشاهدون هذه المحتويات، ويتساءلون لماذا لا نعرض حياتنا مثلهم، كيف يمكن تربية أجيال تحترم الخصوصية، وهم يرون أن المنزل بلا جدران، وأن كل شيء مباح للعرض؟".
انتهاك حرمة المنازل وأثره في الأجيال
تحولت المنازل التي كانت رمزًا للخصوصية إلى مسارح مفتوحة، حيث تُعرض الحياة الزوجية والعائلية على نحو علني، بما في ذلك تفاصيل لا تناسب الصغار أو الكبار.
الأطفال، سواء الذكور أو الإناث، أصبحوا عرضة لتأثير هذه الظاهرة، حيث تُرسخ لديهم مفاهيم خاطئة حول طبيعة العلاقات الأسرية وحدودها.
يقول الدكتور محمود الخالدي، خبير اجتماعي: "الطفل الذي ينشأ في بيئة يرى فيها أن الحياة تُعرض على الملأ، لن يستطيع التمييز بين ما هو خاص وما هو عام، هذا سيؤدي إلى تآكل القيم الأخلاقية على المدى الطويل".
من جهة أخرى، ساهم انتشار هذه الظاهرة في خلق موجة من التقليد بين الشباب والمراهقين، الذين يحاولون محاكاة هذه السلوكيات دون إدراك لتبعاتها. تقول ليلى أحمد، طالبة جامعية: "الكثير من زملائي بدأوا بتقليد هؤلاء الأزواج، ليس فقط في طريقة الحديث أو اللباس، بل حتى في افتعال المواقف والمشاكل. هذا التقليد يهدد بانهيار قيمنا الاجتماعية".
حرمة المنازل في مواجهة طوفان الشهرة
الدين، العادات، والتقاليد كلها تجتمع على أهمية صون حرمة المنازل.
يقول المحامي سامر عوض: "ما يحدث اليوم ليس مجرد تجاوزات عادية، بل هو اعتداء على القيم الإنسانية الأساسية، فالمنازل التي كانت تُعتبر ملكًا خاصًا للأسرة، أصبحت الآن ساحات عرض مفتوحة، وهذا ينافي كل المبادئ الدينية والأخلاقية".
من الناحية القانونية، بدأت بعض الدول العربية باتخاذ إجراءات صارمة، من بينها توقيف عدد من الأزواج الذين تجاوزوا الحدود وتحويلهم إلى القضاء، وتُعد هذه الخطوات محاولة لردع الآخرين عن السقوط في فخ الشهرة على حساب القيم، ويقول عوض: "القانون يجب أن يكون واضحًا وحازمًا في حماية حرمة المنازل والحياة العائلية، تمامًا كما يحمي الآداب العامة في الأماكن العامة".
في نهاية الأمر، فإن مسؤولية المجتمع في التصدي للظاهرة، وتبقى المسؤولية مشتركة بين الأفراد والمجتمع للوقوف في وجه هذه الظاهرة التي تنتهك حرمة المنازل، وتزرع قيمًا خاطئة في نفوس الأجيال الحالية.
الشهرة لا تُبرر انتهاك القيم الأخلاقية، ولا تجعل من المنازل بلا جدران، مكشوفة أمام الجميع.
إذا لم يتحرك المجتمع والحكومات لوضع حد لهذه الممارسات، فإننا قد نشهد جيلًا فاقدًا لمفهوم الخصوصية، حيث تصبح البيوت مجرد ساحات عرض، تفقد معها الأسرة قدسيتها، وتتحول إلى مادة استهلاكية في عالم لا يعترف بالحدود.