سهم محمد العبادي
في الأردن، الجمعة لها طابع خاص، يوم العائلة، يوم الراحة، يوم "السفرة" التي تجمع كل أفراد البيت حول طبق رئيسي يملأ المعدة والروح معًا.
لكن، يبدو أن الأيام تغيّرت، و"الجمعة" أيضًا تغيّرت، لم تعد روائح المناسف والمقلوبة تفوح من البيوت، ولم تعد القدور الكبيرة تغلي فوق النار بحب الأمهات.
اليوم، مائدة الجمعة باتت تختصر بصحن حمص، صحن يرمز للكثير، للبساطة، للتقشف، وربما حتى للوجع، تجلس العائلة حوله، وكل واحد يغمس لقمة ويحاول أن يُقنع نفسه بأنها مثل المناسف، لكن الحقيقة؟ الحمص وحده لا يُشبع، لا يملأ المعدة، ولا يُعوض غياب الولائم التي اعتدنا عليها.
حتى هذا الحمص، لم يسلم من التغيير! صار يأتي "بلا زيت"، أو "بلا حامض"، أو أحيانًا "بتتبيلة خجولة" لا تُحرك الطعم، مثل الحياة تمامًا، طعم ناقص، ولون باهت، وواقع مفروض.
في زمن ما، كان صحن الحمص أكلة الفطور اليومية، يُضاف له الزيت، الليمون، وابتسامة الصباح، أما الآن، فقد أصبح وجبة الغداء ليوم الجمعة، ليس لأنه صار مرغوبًا أكثر، بل لأن الأوضاع فرضت علينا ذلك.
صديقي، صاحب مطعم مشهور في إحدى مناطق عمان، قال لي شيئاً لن أنساه "أغلب العائلات المستورة صار غداء الجمعة عندها حمص وفول، بعضهم يأتي بصحنه، ويعلم أنه لن يعود فارغاً حتى لو لم يدفع، نتركهم، لأننا نعرف أن الصحن هذا يحمل كرامتهم قبل أن يحمل طعامهم".
هي ليست مشكلة الحمص بحد ذاته، فالحمص كان وما زال رفيق الجوع، لكنه اليوم يرمز إلى الحال، حال الناس الذين يُقنعون أنفسهم أن "كل شيء تمام"، رغم أنهم يعرفون أن "كل شيء ناقص".
جمعة الحمص، بلا مناسف ولا مقلوبة، بلا زيت ولا حامض، هي جمعة الأردنيين هذه الأيام، نعيشها، نغمس بها لقمة، ونبتسم وكأن الأمور على ما يرام…
ولكن في داخلنا، كل شيء ينادي: "كان الحال أفضل… وكان الطعم أحلى".