سهم محمد العبادي
عندما يُذكر الأردن، تتجسد معاني النشامى والعطاء، تلك الصفات التي هي جزء من هوية الأردنيين، وجوهر حياتهم اليومية وتاريخهم المجيد.
كلمة "النشامى" ليست لقباً عابراً، بل هي ميراثٌ من الأفعال التي تُخلدها المواقف النبيلة على مر الزمن، ولم يأتِ هذا الاسم من عبث، بل شُيد على أكتاف رجال ونساء عرفوا أن الفزعة ليست خياراً، بل واجباً يثبت إنسانيتهم، ويُعبر عن انتمائهم العروبي.
الأردن، كان وما زال البيت الذي يجمع هموم الأمة العربية، فحين تئن غزة تحت القصف، تسمع دعوات النساء في الطفيلة والبلقاء والزرقاء والمفرق، تُرسل مع قوافل المساعدات إلى أهلهم هناك، وعندما تضيق الحياة على أهل الضفة، تكون الكرك ومعان وإربد وجرش أول من يمد يد العون، وعندما يسقط الألم على بيروت أو دمشق أو الخرطوم، ترى عمان والعقبة ومادبا، وعجلون تُسارع بخبزها ودعائها لتمسح الدموع وتخفف الوجع.
اليوم، نرى قوافل الإغاثة الأردنية تُسابق الرياح إلى سوريا، محملة بالغذاء والدواء، ولكنها تحمل أيضاً شيئاً أعظم: دعاء الأمهات في دير علا، وقلوب الآباء من الرمثا، وحب الأطفال في البادية الشمالية. وقبلها، كانت هذه القوافل تتجه إلى لبنان، وإلى غزة على نحو دائم، وإلى الضفة مع كل تكبيرات مساجدها وأجراس كنائسها، فالأردنيون لا ينتظرون طلباً ولا نداء، فهم أبناء المبادرة وأحفاد الفزعة، الذين يرون في الوجع العربي وجعاً لهم.
هذا الدور الذي تؤديه عمان العرب لم يكن ليبقى مستمراً لولا قيادة هاشمية واعية، تؤمن أن العروبة ليست شعاراً يُرفع، بل أفعالٌ تُمارس، من الملك المؤسس - رحمه الله - إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، فبقي الأردن على عهده الثابت حاملاً هم الأمة، منافحاً عن قضاياها، مسكناً لجراحها، وفي كل أزمة وهموم الأمة، نرى القيادة الأردنية تقود الصفوف، تُسخر الإمكانيات وتقول بوضوح: نحن هنا، ولن نترك أحداً وحيداً.
الأردنيون لا يملكون ثروات نفطية، لكنهم يملكون قلوباً تغني عن كل شيء، الفقير قبل الغني، الكبير قبل الصغير، كلهم يساهمون بما يستطيعون؛ لأنهم يؤمنون أن العطاء هو شرفٌ لا يُضاهى، من الحسينية والجفر إلى ذيبان، من داميا إلى عقربا، فقوافل الخير التي تخرج من هذه الأرض تحمل معها ليس فقط المساعدات، بل دعوات الأمهات وأمنيات الأطفال بأن يعود السلام والكرامة لكل من يحتاج من أهلنا العرب.
هكذا هو الأردن، وهكذا هم أهله... رأس الحربة ورايتهم التي لا تنكسر، وصوت النخوة الذي يُسمع في كل مكان، ومن لا يعرف عمان، أو لم يسمع بأفعال النشامى، لم يعرف يوماً معنى العروبة الحقيقية‘ فنحن من نذرنا أنفسنا لله ثم للأمة.