أخبار اليوم - يجول أيهم مقبل (10 أعوام) بين خيام مخيم للنازحين في مواصي خان يونس جنوبي قطاع غزة، ينادي بأعلى صوته "يلا يا ترمس..زاكي يا ترمس"، ينطلق مع ساعات الصباح الأولى حتى مغيب شمس اليوم، لا يكل ولا يمل عن تكرار ندائه لفتح شهية النازحين وحثهم على شراء بعض حبات الترمس.
قبيل آذان المغرب بدقائق عاد أيهم حاملًا أناء من الألمونيوم يركزه على خاصرته وفي آخره قليل من الترمس لم يبعه، وينتظر شمس نهار جديد ليكمل مشواره في بيع ما تبقى، وحبات الترمس التي انتهت والدته من وضعها في ماء مالح لتوها.
يقول أيهم لـ "فلسطين أون لاين": "أبيع الترمس لاوفر بعض الشواقل التي تعين والدتي على شراء الطعام لنا يوميا، فأبي مريض فشل كلوي لا يقوى على العمل، ولدي أختين تكملان دراستهما الجامعية وتحتاجان إلى استكمال رسومهن، لذا اضطررت النزول للعمل من أجل مساعدة عائلتي".
ويتابع: "لم يسبق لي أن عملت قبل الحرب مطلقا، حيث كنت أنهي دوامي المدرسي، واعود للبيت لكتابة واجباتي، ومن ثم اللعب لمدة ساعة مع أصدقائي في الحارة، هكذا كانت حياتي ولكن الحرب أجبرتني على العمل فالغلاء فاحش وراتب واحد وحتى راتبين لا يمكن أن يغطوا المصاريف اليومية للمأكل والمشرب".
بجدولتين ذهبيتين وملامح ناعمة، تسير مرام أبو ندى بين الخيام تنادي بصوت رقيق على صديقتها في المخيم "تالا بدك دونات" تركض نحوها تالا تطلب واحدة مغطاة بالشوكولاتة وتمنحها شيقلا ثمنا لها.
بخجل وقفت مرام (٩ أعوام) تتحدث ل"فلسطين": "منذ نحو شهرين بدأت عمتي تصنع لنا قطع الدونات، حيث أقوم ببيعها لاطفال المخيم، منذ بدء أزمة الدقيق وغلاء أسعار المواد الغذائية وشح المسليات والسكاكر في الأسواق".
وتردف مرام: "أدخر بعض الشواقل التي أجنيها من بيع الدونات وفي نهاية الأسبوع أشتري حبة من البندورة، وخيارتان وحزمة بقدونس لتصنع لي والدتي السلطة التي لم أتذوقها منذ أكثر من شهرين".
وتتابع: "في البداية كنت أشعر بالخجل من بيعي لدونات ولكن وجدت معظم أطفال المخيم يبيعون مثلي، فصديقاتي تصنع لهن والداتهن كرات جوز الهند، أو كرات عجوة بالسمسم، وأكواب من المهلبية بالكاكاو، ولفائف السينابون يقمن ببيعها يوميا للمخيمات القريبة منا".
منذ بداية حرب الإبادة الاسرائيلية في السابع من أكتوبر للعام2023م، اضطر آلاف الأطفال للعمل بعد توقف العملية التعليمية بالكامل في جميع مدارس قطاع غزة، من أجل إعانة عوائلهم لمواجهة غلاء أسعار السلع الاساسية.
تحت أشعة الشمس الخريف وقف يامن العجوري على ناصية شارع حوله النازحين إلى سوق بالقرب من شاطىء البحر، وراء طاولة خشبية صغيرة وضع عليها بعضا من أكياس النسكافيه، وكعك القرفة والسكر، والبسكويت، وعدد من معلبات الفاصوليا، واللحم، والبازيلاء، والحمص بنوعيه الحب، والمطحون.
بجانب يامن ذو الأعوام العشرة وقف والده على بسطة أخرى يبيع حفاضات الاطفال، يساعده في كسب بعضا من المال ليعينه على المعيشة الصعبة التي أرغمتهم الحرب على عيشها.
يقول يامن ل"فلسطين": "من الساعة السادسة صباحا أحمل حقيبة الظهر التي ملئتها بالبضاعة وأتوجه بها سيرا على الأقدام نحو البسطة، واستمر هكذا حتى اذان المغرب أعواد أدراجي إلى المخيم".
يضيف: "حينما أكسب بعض المال يكافئني والدي بعشرة شواقل نظير مساعدتي له في البيع، في بعض الأحيان أشتهي قطعة صغيرة من الحلويات أشتري واحد بقدر شيقلان، وأدخر الباقي لشراء تفاحة، أو بعضا من الكلمنتينا حسب الفاكهة المتوفرة، أو حبتين من البندورة لتعد والدتي صحن السلطة المفضل لديها الذي أصبح حلما لا يقوى الكثيرين على تحقيقه في يومنا هذا".