أخبار اليوم - يساور القلق والخوف عائلات أسرى غزة داخل سجون الاحتلال "الإسرائيلي" حول أماكن احتجاز أبنائهم ومصيرهم المجهول وسط ارتفاع متزايد بأعداد الأسرى الشهداء؛ نتيجة التعذيب الجسدي والإهمال الصحي وسوء التغذية.
ولا تستطيع مؤسسات حقوقية فلسطينية و"إسرائيلية" إعداد قاعدة بيانات لأسرى غزة أو معرفة أعدادهم وأحوالهم الصحية والمعيشية؛ بسبب سياسة الإخفاء القسري التي تنتهجها سلطات الاحتلال منذ بداية الحرب 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023م. واستطاعت صحيفة "هآرتس" العبرية الكشف في ديسمبر/كانون الأول 2023 عن تحويل الجيش لإحدى قواعده العسكرية "سدي تيمان" في صحراء النقب لـ"سجن سري" لأسرى غزة. ولاحقا استطاع المحامي الفلسطيني خالد محاجنة زيارة السجن، ونقل شهادات أسرى غزة عن صنوف التعذيب داخله، ومنها: إبقاء المعتقلين مقيدين على الدوام، وبعضهم تم بتر أطرافهم بسبب آثار القيود والأصفاد، انتهاكات وامتهان للكرامة وتعذيب جنسي.
ووفقًا لشهادات الأسرى يجبر الجنود المعتقلين على الوقوف لساعات وضربهم بالهراوات، وترك الجرحى منهم لآلامهم ومنع العلاج عنهم وإحاطتهم بالكلاب البوليسية على مدار الساعة، عدم الاستحمام وعدم استخدام دورة المياه لأكثر من دقيقة واحدة، عدم تقديم الطعام الكافي، عدم توفير الأفرشة والأغطية، ومنع الأسرى من الصلاة وأداء شعائرهم الدينية.
والسجن ذو السمعة السيئة، هو المكان الذي علمت عائلة الأسير أكرم حماد (38 عامًا) وجوده داخله عقب اعتقاله من قبل جيش الاحتلال أثناء اقتحامه لمجمع الشفاء الطبي في مارس/ آذار 2024 واقتياده إلى جهة مجهولة. كان ذلك، عبر أسير محرر من مدينة غزة أفرج عنه في يونيو/ حزيران العام الحالي إلى جنوب القطاع، وأبلغ والدة أكرم عن نجلها، وكذلك عوائل الأسرى الذين استطاع التعرف عليهم أو حفظ أسماءهم وملامحهم.
ومنذ ذاك الشهر، لا تعلم الوالدة (60 عامًا) النازحة في "مواصي خان يونس" برفقة أسرة ابنها الأسير (الزوجة وأربعة أطفال) أية معلومات عنه.
وقالت الوالدة لـ"فلسطين أون لاين": خلال تسعة شهور (فترة اعتقال أكرم) لم نحصل إلا على معلومة واحدة أنه: أسير وذو جسد هزيل فقط. وأكثر ما يخيف الجدة وأحفادها سماع "الأنباء السيئة" عن أسرى غزة أو استشهاد أحدهما كما حصل مؤخرًا مع عائلة الأسير علاء المحلاوي من غزة. وأعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير، في الخامس من الشهر الجاري، استشهاد المحلاوي المعتقل منذ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 يوم استشهاد والده.
وبحسب عائلته فإن نجلها لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة قبل اعتقاله، وكان يعاني فقط من مشكلة في إحدى عينيه. ووفقا للمؤسسات الحقوقية فإن أعداد الشهداء الأسرى منذ بدء "حرب الإبادة الإسرائيلية" ارتفع إلى 49 شهيدًا وهم فقط من تم الإعلان عن هوياتهم، من بينهم 30 شهيدًا من غزة. فقدان شهور طويلة وتفيد تلك المؤسسات في تقاريرها الدورية بأن هناك العشرات من معتقلي غزة الذين ارتقوا خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من 425 يومًا ويواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم جرّاء جريمة الإخفاء القسري. وهي الجريمة التي حدثت مع عائلة الأسير (م . م) التي علمت من أحد الأسرى المحررين في يناير/ كانون أول 2024م أن نجلها أسير حي لكن حالته الصحية صعبة للغاية. لكن ذاك الخبر لم يدم طويلًا، حتى علمت من أسير محرر آخر في إبريل/ نيسان الماضي أن نجلها الذي رفضت كشف هويته (من سكان مدينة غزة) قد استشهد داخل سجون الاحتلال.
وعلى أية حال، تنتظر العائلة خبر رسميًا من المؤسسات الحقوقية لـ"لتقطع الشك باليقين". ولم تكن العائلة السابقة وحدها عاشت ذات الأمر، فعائلة الفتى جودت محمد النقلة (16 عامًا) فقدت أثاره منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة. ويقول والده إنه منذ ذاك اليوم انقطع الاتصال بنجلي البكر، ولم نعلم عنه أية معلومات أهو شهيد أم أسير أم جريح وغيرهما من التكهنات التي دارت في ذهن العائلة. ويغزو الشيب شعر الوالد ولحيته حزنا على فقدان نجله الذي فقدت أثاره منذ أكتوبر 2023م حتى سبتمبر/ أيلول 2024م. ويضيف: وهنا تغير الأمور، لقد تلقيت اتصالًا هاتفيًا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر مطلع سبتمبر يفيد بأن نجلى "جودت" أسير داخل سجون الاحتلال دون تفاصيل أخرى.
حاول الوالد وقتها الاستفسار أكثر وأكثر من ممثل اللجنة الدولية حول مكان سجنه وحالته الصحية، لكن دون جدوى واكتفى بتأكيد خبر "أنه أسير". ويحمد الله عزوجل على نهاية الحيرة والقلق في البحث عن نجله، آملا بأن تنتهى "مسيرة العذاب" بحسب وصفه بالإفراج عنه في القريب العاجل.
وتأمل عائلات أسرى غزة من اللجنة الدولية والمؤسسات الأممية دورًا إنسانيًا يضاهي حجم الكارثة التي حلت بأسرى غزة وعائلاتهم، والتفقد الدوري للسجون الإسرائيلية التي تحولت لمقابر جماعية للفلسطينيين.
ووفقًا لرئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري، فإن ما قبل السابع من أكتوبر ليس كما بعده بالنسبة لآلاف الأسرى الفلسطينيين الذين مورست ضدهم أبشع الجرائم من القتل والإعدام إلى التعذيب الوحشي والتحرش الجنسي والاغتصاب، وحتى التجويع والحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية. وأكد الزغاري أن عدد الشهداء في أوساط الأسرى داخل السجون والمعتقلات بعد اندلاع الحرب "الإسرائيلية" على غزة هو الأعلى تاريخياً منذ عام 1967.
فلسطين أون لاين