الدكتور محمد أبو هديب
في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وما تفرضه من متغيرات جغرافية وسياسية، يجد الأردن نفسه أمام تحديات معقدة تتطلب قراءة دقيقة وواقعية للمشهد الإقليمي والدولي. الموقع الجغرافي الحساس يجعلنا متأثرين بشكل مباشر بما يجري حولنا، ومع ذلك، يبقى الإيمان راسخاً بحكمة القيادة الهاشمية ومنعة المؤسسات العسكرية والأمنية واحترافيتها، وهو ما يفرض علينا كشعب الوقوف صفاً واحداً خلفها، بعيداً عن أي خلافات قد تضعف الجبهة الداخلية.
إن المرحلة الراهنة لا تحتمل الحلول التقليدية أو الرؤى الضيقة التي لا تتجاوز حدود التنظير، خصوصاً من قبل شخصيات تظهر على الشاشات، وتظن أنها توجه الرأي العام، بينما تعكس تعليقات الناس حجم فقدان الثقة بتلك الأدوات التي باتت تؤثر سلباً أكثر مما تفيد. هذه الشخصيات، التي تحولت فجأة إلى منظّرين لخطاب الدولة، لا تمتلك العمق ولا المصداقية، وهي نتيجة لتبني نهج يعتمد على تلميع وجوه اعتادت تغيير توجهاتها وفقاً للظروف، دون أن تقدم إضافة حقيقية.
الأردن اليوم بحاجة إلى قيادات وطنية حقيقية، قادرة على إبراز موقفه المشرف في دعمه للأشقاء في فلسطين وسوريا، وتحمله أعباء تفوق إمكانياته الاقتصادية والاجتماعية رغم شح الدعم. إن هذا الموقف يجب أن يكون عنواناً للتعاون والمصالح المشتركة بين الأردن وسوريا، حيث يشكل استقرار سوريا مصلحة استراتيجية لنا على كافة المستويات. العلاقة مع سوريا ليست خياراً، بل ضرورة يفرضها الجوار والتاريخ والمصالح المتبادلة، سواء في محاربة التحديات المشتركة كالمخدرات والتهريب، أو في فتح آفاق للتعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار.
في المقابل، يشكل الدعم غير المحدود الذي تحظى به إسرائيل، وخصوصاً فيما يتعلق بمخططات ضم الضفة الغربية، تهديداً مباشراً للأردن. هذا التحدي يتطلب موقفاً عربياً موحداً، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الانقسامات القائمة. ورغم ذلك، فإن الأردن قادر، بفضل حكمة قيادته وعلاقاته الإقليمية والدولية، على أن يكون لاعباً مؤثراً في رسم معادلات جديدة تحفظ مصالحه وتحمي حدوده.
إن الحديث عن هذه التحديات لا يمكن فصله عن ضرورة تعزيز التماسك الداخلي. المرحلة تتطلب إشراك الشعب في فهم دقة الموقف وخطورته، والاعتماد على كفاءات وطنية تمتلك الوعي والقدرة على ترجمة التحديات إلى حلول عملية، بعيداً عن الشللية والانتهازية التي أضعفت ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
في ظل هذا المشهد المعقد، فإن الأردن بحاجة إلى وحدة صف قوية ورؤية استراتيجية عميقة تعكس إرادة الشعب وقوة مؤسساته، ليظل هذا الحمى آمناً وقوياً، قادراً على مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية بإرادة صلبة وقيادة حكيمة.