سهم محمد العبادي
تخيلوا معي نفس السيناريو يتكرر، جلسة نيابية جديدة، كلمات رنانة، وعود كبيرة، ونواب يتحدثون بحرقة عن معاناة المحافظات وكأنهم يسردون قصة محفوظة في ذاكرة الزمن.
"الطفيلة عطشانة"، "معان مهمشة"، "الكرك منسية"، "الزرقاء غارقة"، حتى صار المواطن يشعر أن المحافظات "مسكينة" أكثر من كونها جزءاً أصيلاً من الوطن.
ومع كل بيان وزاري جديد، نسمع نفس الكلام "تنمية متوازنة"، "مشاريع كبرى"، "خطط مستقبلية"، ثم لا شيء يتغير على الأرض، يبدو أن الحكومات ما زالت تُجيد حياكة الأحلام، لكنها تفشل دائماً في حياكة الأفعال.
المحافظات في الأردن أصبحت كالمريض الذي يُحقن بإبرة تخدير كل أربع سنوات، وعود بالمشاريع التنموية العملاقة التي لا تصل إلا لصفحات الجرائد والتقارير الإعلامية، بينما الواقع؟ لا شيء سوى مدارس متهالكة، شوارع أشبه بخرائط جغرافية، ومستشفيات تخلو من الأطباء والأدوية، في الوقت الذي يتم فيه "تفصيل" الوظائف العليا في العاصمة على مقاسات أبناء النخبة.
كلمات النواب كشفت عن فجوة واضحة بين العاصمة والمحافظات، كل المشاريع الكبرى من نقل وطرق ومراكز صحية تتركز في عمان وما حولها، وكأن باقي المحافظات تعيش في كوكب آخر، فلا عدالة في توزيع المشاريع، ولا رؤية واضحة لاستثمار موارد المحافظات، بينما تزداد الهوة بين الوعود الحكومية وواقع التنفيذ.
منذ عقود والحكومات تقدم لنا الأعذار نفسها "الإمكانيات محدودة"، "الأولويات مختلفة"، "الظروف صعبة"، لكن الحقيقة هي أن المشكلة في التخطيط والتنفيذ، لا في الموارد.
المحافظات لديها إمكانيات هائلة، لكنها تُهدر في غياب الإرادة الحقيقية لاستثمارها، المواطن في الطفيلة ومعان لا يطلب ناطحات سحاب، بل يريد مستشفىً نظيفاً، طريقاً آمناً، ومدرسةً بلا سقف متهالك.
النواب وضعوا الكرة في ملعب الحكومة، لكننا نعلم جميعاً أن الحكومات معتادة على اللعب في "الوقت الضائع"، فبدلاً من تنمية المحافظات، نجدها تركز على معالجة مشاكل العاصمة فقط، وبدلاً من توزيع المشاريع بعدالة، تُحابي الجهات النافذة.
يا حكومتنا العزيزة، المواطن في المحافظات لا يريد شعارات رنانة ولا خططاً مُعلّبة، بل يريد أن يرى "الكرامة" في حياته اليومية، يريد أن يعود الطبيب الذي هاجر، والمهندس الذي غادر، والمزارع الذي يبيع أرضه ليؤمن قوت يومه، يريد أن يشعر أن هناك دولة ترعاه كما ترعى غيره.
كلمات النواب هذه المرة كانت رسالة واضحة "التنمية ليست شعارات"، والعدالة ليست خياراً، بل ضرورة، وعلى الحكومة أن تثبت أنها ليست مثل سابقاتها، وأن العمل على تحقيق العدالة التنموية ليس مجرد عنوان عريض، بل خطة عملية تُترجم على الأرض.
ونقولها بصوت عالٍ "بكفي حكي"، المواطن يريد أفعالاً، والمحافظات ليست صفحات منسية في دفتر الوطن، بل قلبه النابض الذي يحتاج اهتماماً حقيقياً، لا حبراً على ورق، وهي أول الكتاب وآخره، وسنبقى نردد "عودك رنان ضلك عيد يا علي"