أخبار اليوم - تلخص أحوال السيدة أم عمار القاطنة في أحد أحياء مدينة الكرك القديمة، واقع كثيرين غيرها، ممن يفتقرون إلى أبسط احتياجات ومستلزمات مواجهة تداعيات الشتاء وبرده القارس، لا سيما وسائل التدفئة ومتطلبات تشغيلها واستخدامها، وكذلك الملابس الشتوية والأغطية، في ظل ظروف معيشية صعبة.
أم عمار تنتظر عادة في مثل هذا الوقت من العام، ما تجود به المبادرات الشعبية الجماعية أو الفردية في الكرك وتقدمه للأسر الفقيرة، والتي رغم قلتها خلال الفترة الأخيرة، إلا أنها تسعف تلك الأسر وترد عنها برد الشتاء القارس.
وبحسب إحصاءات رسمية، فإن معدلات الفقر في محافظة الكرك تبلغ نحو 14 بالمائة، وتسجل نسب الفقر المدقع بالمحافظة رابع نسبة على مستوى المملكة، في حين أن أربع مناطق من جيوب الفقر بالمملكة هي في محافظة الكرك: وهي غور الصافي بنسبة فقر 61 بالمائة، وقضاء الموجب بنسبة فقر 28 بالمائة، وغور المزرعة والحديثة بنسبة فقر 21 بالمائة، ولواء القطرانة بنسبة فقر 23 بالمائة، بينما تصل معدلات البطالة بالمحافظة إلى حوالي 19 بالمائة (الذكور 17 بالمائة والإناث 22 بالمائة).
وأكد ناشطون في المحافظة، أن ارتفاع نسبة البطالة في المحافظة خلال السنوات الأخيرة، وغياب فرص العمل خلال الزمن المنظور، أسهما في زيادة معدلات الفقر بين العديد من الأسر في مختلف مناطق محافظة الكرك.
وباتت المبادرات الشعبية التطوعية التي ينظمها ناشطون في مناطق محافظة الكرك، ملاذ مئات الأسر الفقيرة والمعوزة، لتوفير حتى أبسط احتياجاتها، خصوصا في فصل الشتاء، حيث تزداد احتياجات تلك الأسر وتزيد كلفة الحياة مع ضرورة توفير وسائل التدفئة من وقود وملابس، في ظل أوضاع صعبة، تخطت حدود الحرمان، خصوصا مع وجود أربعة جيوب رسمية للفقر بالمحافظة.
وتسهم تلك المبادرات في تحسين ظروف السكان، لا سيما من يعيشون ظروفا صعبة، تفتقر أحيانا إلى الاحتياجات الضرورية، ومن بين احتياجات الأسر التي تبدو غائبة عن الجهات الخيرية والمساعدة، حاجتها في موسم الشتاء إلى وقود التدفئة وللملابس، إذ تركز المساعدات عادة على احتياجات الأسر من المأكل والمشرب.
ولغياب الالتفات لحاجة تلك الأسر من وسائل التدفئة، التفتت مجموعة من الشبان الناشطين إلى احتياجات الأسر الفقيرة والمعوزة من التدفئة والملابس، ليتم تشكيل فريق مبادرة شعبية لجمع التبرعات لشراء الوقود من الكاز وللملابس من خلال تجميع ما يفيض عن حاجة الأسر بمناطق مختلفة من المملكة، وإعادة غسلها وفرزها بحسب النوع والعمر والجنس وإعادة توزيعها على الأسر الفقيرة بالمحافظة.
ووجدت المبادرة ترحيبا كبيرا من قبل العديد من الأسر لحاجتها الماسة إليها، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار مادة الكاز والملابس بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
وقال مشرف إحدى المبادرات الشعبية التي أطلقت في مدينة الكرك العام الماضي وصفي الحباشنة، إن "المبادرة جاءت بعد تلمس احتياجات المواطنين وهم قطاع واسع وكبير من الأسر بمدينة الكرك وخارجها"، لافتا إلى أنها "أصبحت من المبادرات الناجحة بدعم من أهل الخير في وطننا الحبيب، بحيث يتم تزويد فريق المبادرة بأثمان وقود التدفئة من الكاز لكونه أرخص الوسائل، إضافة إلى توفير الملابس بشكل دائم، وهناك إقبال كبير من الداعمين للمبادرة لمساعدة الأهل في مختلف مناطق الكرك".
وأشار إلى أن "فكرة المبادرة بدأت عندما تطوع مجموعة من شباب محافظة الكرك بإطلاق مبادرة شبابية بعنوان (دفي جارك) من أجل المساهمة في خدمة الأسر العفيفة في المحافظة أثناء دخول فصل الشتاء، الذي تفتقد فيه الكثير من الأسر لوسائل التدفئة المناسبة".
ولفت الحباشنة، إلى أن "الحملة تهدف إلى مساعدة بعض الأسر المحتاجة والفقيرة من أبناء المحافظة التي لا تملك وسائل التدفئة الكافية من الأغطية والملابس والكاز والمدافئ، من خلال وجود مسح اجتماعي في المبادرة يستهدف هذه الأسر للتعرف على احتياجاتهم".
وأضاف، أن "الحملة تسعى هذا العام للوصول لأكبر عدد من الأسر الفقيرة، مع التركيز على استهداف الأسر الأكثر فقرا من خلال التبرعات التي تصل الحملة من المتبرعين من أهل الكرك وغيرها من محافظات المملكة"، مؤكدا في الوقت ذاته، أن "المبادرة نجحت خلال العام الماضي في توفير الدفء لمئات الأسر داخل المحافظة".
ومن وجهة نظر الناشط الاجتماعي معين بقاعين، فإن "وجود المبادرات الشعبية لتوفير احتياجات العديد من الأسر الفقيرة بالمحافظة يساهم في التخفيف من معاناة الأسر الفقيرة بمختلف مناطق المحافظة، خصوصا في موسم الشتاء حيث تزداد المعاناة صعوبة بسبب البرد القارس، من خلال توفير الملابس المناسبة مجانا لعدم قدرة بعض الأسر على شراء الملابس الجاهزة نظرا لارتفاع أسعارها في الأسواق، إضافة إلى توفير وسائل التدفئة وخصوصا مادة الكاز".
ولفت بقاعين، إلى "أهمية التشاركية بين مؤسسات العمل التطوعي في خدمة السكان المحتاجين والعمل على إنجاح فكرة مبادرة (دفي جارك) والعمل على تعميمها على مناطق أوسع بالمحافظة وإشراك فئات شبابية وتطوعية واجتماعية فيها".
ووفق السيدة أم سامح من سكان مدينة الكرك وهي من السيدات المستفيدات من مبادرة "دفي جارك"، فإن أسرتها استفادت بالحصول على احتياجاتها من الملابس الشتوية الجيدة والنظيفة والسليمة تماما، إضافة إلى توفير احتياجات الأسر لفترة من الكاز لتوفير التدفئة خلال الشتاء، مؤكدة أن أسرتها لم تكن يتوفر لديها أي وسيلة تدفئة وتقوم باستخدام الحرامات لتغطية الأطفال للوقاية من البرد.
كما أكدت أم سامح، أن العديد من الأسر لا تجد ما يسد احتياجاتها الضرورية خصوصا في موسم الشتاء الذي تزداد فيه المتطلبات وخصوصا للتدفئة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الأسر.
وبشأن الأغوار الجنوبية تحديدا، يؤكد الناشط الاجتماعي ورئيس الجمعية الوطنية للتأهيل المجتمعي في الأغوار الجنوبية فتحي الهويمل، "أن مبادرات الجمعيات ونشطاء العمل التطوعي التي تنفذ بشكل مستمر بالأغوار الجنوبية هي أمل العديد من السكان، خصوصا من فقراء المنطقة الذين يعانون من غياب الاهتمام بمختلف الخدمات، لا سيما المنازل الملائمة والمناسبة لسكن الأسر الفقيرة التي تقطن بيوتا لا توفر الشروط الكافية للعيش فيها".
وبين، أن منطقة الأغوار من مناطق جيوب الفقر بالمملكة وتبلغ نسب الفقر فيها 60 % ونسب البطالة 30 %، في حين يعمل 60 % من سكان المنطقة في القطاع الزراعي، وهو نمط يوفر العمل الموسمي.
ولفت الهويمل، إلى أن عشرات المتطوعين يقومون بمساعدة الأسر الفقيرة بمختلف الاحتياجات وضمن مبادرة "ما لا يلزمكم يلزمنا"، وتشمل توزيع المساعدات على مئات الأسر باحتياجاتها من الأثاث المنزلي والملابس وغيرها مما يتوفر لدى القائمين على المبادرة.
وقال، إن هناك شركاء للجمعية الوطنية للتأهيل المجتمعي بالأغوار الجنوبية من خلال مبادرات أخرى تعمل على تقديم الخدمات المختلفة للأسر العفيفة، حيث استطاعت الوصول إلى عشرات الأسر المحتاجة وقدمت خدمات صيانة وترميم مساكنها وتأمينها بالأثاث وبعض المستلزمات الأساسية من الفرش والغسالات والثلاجات وشاشات التلفاز والمراوح والملابس، وكذلك تأمينها بالمواد التموينية والغذائية والمساعدات النقدية.
وأكد الهويمل، أن الجمعية تعمل على حصر الأسر المحتاجة من خلال عمل قاعدة بيانات ووضع الأسس والمعايير لاختيار الأسر بالتعاون والتنسيق مع مديرية التنمية الاجتماعية في الأغوار الجنوبية لتحقيق العدالة والمساواة لشمول أكبر عدد من المواطنين.
ويعد لواء الأغوار الجنوبية بكل مناطقه وبلداته، والبالغ عدد سكانه نحو 70 ألف نسمة، من المناطق الأكثر فقرا على مستوى المملكة، وهو من مناطق جيوب الفقر التي تظهر بالإحصاءات الرسمية كل عام، في حين تشير إحصاءات رسمية إلى أن نسبة البطالة فيه تبلغ 30 بالمائة والفقر 60 بالمائة.
الغد