أخبار اليوم - تجربة تثير شغف الزائر نحو الاستكشاف بين أحضان الطبيعة في قرية أم قيس، حيث يمتزج الإرث الثقافي والشعبي والريفي بعبق أصالة المكان.
"بيت البركة" يقدم للزوار تجربة فريدة من نوعها، تبرز عراقة المكان وكرم أهله، مما يجعله من أبرز المؤسسات السياحية التي تهدف إلى تعريف الزائرين بجمال أم قيس وطبيعتها الخلابة.
بدأت هذا المشروع بفكرة بسيطة وبيت صغير مكون من ثلاث غرف فقط، لكنه تحول اليوم إلى مشروع رائد بفضل الطموح والحب العميق للأرض، استطاع "بيت البركة" أن يروي قصة نجاح متميزة تحمل صوت أهالي القرية إلى العالم عبر منصات ومجلات عالمية.
أوضحت مؤسسة نزل "بيت البركة" منى حداد، أن الفكرة انطلقت في العام 2015. كانت البداية نابعة من رغبة في تقديم تجربة مختلفة للزوار، حيث كان معظمهم يكتفي بزيارة المواقع السياحية والخروج منها دون التواصل مع سكان المنطقة. ولأن أهالي أم قيس كانوا المستفيدين الآخرين من الحركة السياحية، جاءت هذه المبادرة لتعزيز التفاعل.
توضح حداد أن الهدف الأساسي من المبادرة كان تغيير الصورة النمطية للسياحة في المنطقة، من خلال إطالة مدة إقامة السائح في أم قيس، وإتاحة الفرصة له لتجربة أنشطة متنوعة والتفاعل مع أشخاص مميزين من أهل المنطقة يحملون قصصا تستحق أن تروى. والبداية كانت مشجعة، حيث كان الجميع متعاونا ومتحمسا للفكرة. تقول حداد؛ "كنا محظوظين بلقاء أشخاص مميزين من أهالي المنطقة الذين دعمونا وساهموا في تسهيل عملنا".
اليوم، يستطيع بيت البركة استضافة 15 شخصا يوميا ضمن مجموعة سياحية، وخلال زيارتهم لأم قيس، يمكن للزوار الإقامة لمدة تصل إلى أربعة أيام، يعيشون خلالها تجارب استثنائية تشمل صنع كرات البذور في "مشتل بيت الورد"، وتهديب الشماغ مع أم حمزة، وتعلم تحضير الأطباق الشعبية في مطبخ قلسوم، إلى جانب العديد من الأنشطة الأخرى. وتمنح هذه التجارب الزوار فرصة لاكتشاف جمال المنطقة وأصالة أهلها، مما يجعل من الزيارة تجربة فريدة لا تنسى.
تؤكد منى حداد أن بيت البركة هو جزء لا يتجزأ من قرية أم قيس، موضحة أنهم عملوا على نقل تراث هذه القرية وقصصها الفريدة عبر هذا المشروع. وتشير إلى أن كل قطعة في البيت، بدءا من الحرف اليدوية وصولا إلى الأطعمة التقليدية، يحمل بصمة أهل أم قيس الذين يشاركونهم العمل.
وتذكر حداد أن السياحة في أم قيس كانت محدودة في بدايات المشروع، حيث كانت الزيارات تقتصر على مشاهدة الآثار والاستماع إلى بعض القصص، لتغادر بعدها المجموعات في أقل من ساعة. إلا أن هذا الواقع تغير مع إعادة تعريف تجربة السياحة في المنطقة، مما ساهم في وضع أم قيس على الخريطة السياحية العالمية.
وتشير حداد بفخر إلى أن أم قيس نالت تغطية واسعة في مجلات عالمية، حيث خصصت لها 12 صفحة تتحدث عن تاريخها وثقافتها.
ووفق حداد فإن التجربة السياحية الريفية التي يقدمها بيت البركة تتيح للزائر الإقامة لمدة تتراوح بين يوم وأربعة أيام، مما يجعل المكان مناسبًا جدا للعائلات والأطفال. وتوضح أن هذا النوع من التجارب يعيد ربط الزوار ببلدهم وأرضهم، حيث يمكنهم التنزه في الطبيعة، والتفاعل مع أهالي المنطقة من مزارعين ونحالين وغيرهم. وتؤكد حداد أن هذه العلاقة مع الأرض تمثل تجربة فريدة، خاصة للصغار، حيث تعزز وعيهم بأهمية التراث.
الإقامة في بيت البركة مريحة ومميزة، بفضل موقعه في قلب القرية. ويقدّم البيت إفطارا مميزا يعتمد بالكامل على منتجات محلية من أم قيس، مثل الزبدة البلدية والعسل والمربيات. وتضيف: "كل صنف على الطاولة يحمل خلفه قصة عائلة من القرية".
التجارب التي يقدمها البيت للزوار متنوعة وغنية، حيث تشمل مسارات جبلية، وتربية النحل، وركوب الدراجات الهوائية، بالإضافة إلى حصص لتعلم طهي الأكلات الأردنية الشعبية مثل الجعاجيل والمكمورة، وغيرها من المأكولات المحلية الشهيرة التي تعكس هوية المنطقة.
وتوضح حداد أن ما يميز بيت البركة كمؤسسة سياحية هو ارتباط كل منطقة بقصتها الخاصة، كما تؤكد على الشراكة القوية مع المجتمع المحلي في تقديم هذه التجارب الفريدة، مشيرة إلى أن هذا النهج هو ما يميز منتجهم السياحي. تقول: "نعمل على تأسيس شراكات مع أهالي المنطقة ونستثمر بهم، مع الحفاظ على هويتهم واسمهم. الجميع يعرف هؤلاء الشركاء ومشاريعهم، وقد ساعدنا في دعم العديد منا المبادرات المحلية التي باتت الآن تقود السياحة في منطقتها".
تقول حداد: "نحن محظوظون بجميع شركائنا المحليين، وما يميزهم عن غيرهم هو الشغف الكبير الذي يظهر في أعينهم عندما يتحدثون عن عملهم. إنهم سكان اختاروا البقاء في أم قيس لبناء منطقتهم والعيش فيها، وهذه العقلية هي التي تجعل شركاء "بيت البركة" مميزين للغاية".
وتوضح حداد أن قرية أم قيس، على الرغم من صغرها وبساطة خبراتها، تتميز بعمل مصنوع بإحساس عميق نابع من أشخاص يعتزون بما يقدمونه. وتضيف أن كل بيت في القرية يحمل قصة كبيرة تعبر عن هوية المكان. وتشير إلى أن جميع العاملين في بيت البركة هم من أهل المنطقة، مؤكدة أن السيدات رانيا ورفيدة وهالة يشكلن قلب المشروع وهن تاج البيت.
توضح منى حداد أن التحديات التي يواجهها المشروع اليوم أصبحت أكثر صعوبة مقارنة بالبدايات، مشيرة إلى أن جائحة كورونا وحرب غزة الدائرة حاليا أثرت بشكل كبير على عملهم. وتقول: "الوضع صعب، والمجموعات السياحية أقل بكثير مما كانت عليه سابقا.. أهالي المنطقة اعتادوا على وجود زوار ودخل مستمر، لذلك كانت أكبر التحديات هي ضمان استمرارية العمل".
وحول خططهم المستقبلية، تعبر حداد عن طموحها في توسيع المشروع ليشمل مناطق أخرى في الأردن، وبناء نماذج مشابهة لهذا البيت في أماكن مختلفة. وتشير إلى أن الأردن تزخر بالكنوز المخفية التي لا تحظى بالتقدير الكافي، وتقول: "هناك الكثير من الأماكن التي لا نعرف عنها ولا نكتشفها بسهولة بسبب غياب المرافق التي توفر الإقامة والخبرات".
وتوضح حداد أن اختيار اسم "بيت البركة" جاء لما تحمله الكلمة من رمزية ومعنى كبير. تقول: "التجربة ممتعة لمن يسافر ولمن يستقبل السائح. السياحة تغير حياة الإنسان، وكل تجربة جديدة تضيف بركة إلى حياة الإنسان وتجعله يفهم الحياة والآخر بشكل أفضل، كما أنها تقرب بين الثقافات وتبرز أوجه التشابه بيننا. ومن جهة أخرى، من يستقبل السائح يشارك ثقافته وخبراته الحياتية ويستفيد ماديا أيضا.
وفي ختام حديثها، تشدد حداد على أهمية تجاوز عقلية الضحية والإيمان بقوة الفرد وقدرته على التغيير. تقول: "شركاؤنا في "بيت البركة" هم أشخاص آمنوا بالأرض وبأنفسهم وبإمكانياتهم لتغيير واقعهم لما هو أفضل.. أثبتنا لأنفسنا وللآخرين أنه بالإصرار والعمل يمكن تحقيق التغيير والإنجاز.
الغد