أخبار اليوم - منذ بداية شهر أبريل الحالي فرضت قوات "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام السوري حصارا على حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، الخاضعان لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ما دفع الأخيرة لاتباع ذات السياسة شرقا، حيث مناطق نفوذها في محافظة الحسكة.
وعلى الرغم من الجولات التفاوضية بين الطرفين (النظام السوري، الإدارة الذاتية الكردية) بحضور ضباط من الجانب الروسي، إلا أنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى أي اتفاق واضح لكسر الحصار المتبادل، والذي ألقى بتداعياتٍ سلبية بشكل خاص على المدنيين هناك.
وتسيطر "قسد" بذراعها العسكري "وحدات حماية الشعب" على الحيين في حلب منذ عام 2011، فيما يتمركز النظام في مركز مدينة الحسكة منذ سنوات طويلة، حيث له مؤسسات ومقار أمنية، بالإضافة إلى تواجد قواته في مدينة القامشلي ومطارها، الذي تتخذه موسكو كقاعدة عسكرية.
وقالت مصادر مقربة من "قسد"، الخميس، إن الذراع الأمنية لها المعروفة باسم "أسايش" سيطرت على نحو عشرة مكاتب حكومية، من بينها ما يختص بالتمويل المحلي وبالحبوب وبالتعليم في منطقة في قلب مدينة القامشلي. وجميعها تابعة للنظام السوري.
ومنعت هذه القوات لليوم السابع على التوالي، دخول القمح والوقود لمركز مدينة الحسكة، ردا على محاصرة "الفرقة الرابعة" للحيين في حلب، ومنعها إدخال الطحين، لتلبية احتياجات ما يزيد عن 200 ألف مدني، أغلبهم من الأكراد.
"لكل طرف رواية"
والأربعاء قال محافظ الحسكة، غسان خليل إن الحصار الذي تفرضه "قوات سوريا الديمقراطية" هو "حصار مطبق"، وإن المحافظة تقدم من الاحتياطات التي ستنفد إن استمرت الظروف على حالها.
وأضاف: "قسد تمنع دخول الطحين والمواد الغذائية والمحروقات التي تشغل المخابز، وهذا الأمر يؤرق المواطنين في المحافظة ويزيد الضغوط عليهم في هذه الظروف الصعبة وفي شهر رمضان".
في المقابل اعتبر المتحدث باسم "الإدارة الذاتية"، لقمان أحمي الجمعة أن ممارسات حكومة دمشق في حيي الشيخ مقصود والأشرفية "جرائم حرب".
وقال إن "استمرار هذه السياسة هدفه إركاع شعب حي الأشرفية والشيخ مقصود عن طريق التجويع".
ويوضح الأكاديمي والناشط السياسي، فريد سعدون أن السبب وراء ما حصل هو "حصار حي الشيخ مقصود من قبل عناصر الفرقة الرابعة، لأسباب غير مبررة".
ويضيف سعدون الذي حضر الجولات التفاوضية مع الجانب الروسي في الأيام الماضية: "حسب ما هو متداول فإن الدولة تقول بوجود مطلوبين لها في الحي ولا بد من تسليمهم. يبدو هذا هو السبب الرئيسي".
ويضاف إلى ذلك "مطالبة الإدارة الذاتية بتزويد بعض الأفران غير المرخصة عند الدولة بمادة الطحين وهذا ما ترفضه الدولة"، بحسب حديث الأكاديمي لموقع "الحرة".
من جهته يقول المحلل السياسي المقيم في دمشق غسان يوسف إن "قسد تحاول أن تستغل ثغرة للاستيلاء على المؤسسات السورية في الحسكة والقامشلي"، متحدثا عما اعتبرها "عمليات إيحاء أميركي لقسد من أجل استهداف الدولة السورية".
ويضيف يوسف لموقع "الحرة": "في الحيين بحلب اتخذت الدولة السورية إجراءات روتينية وليست جديدة، ضمن إطار الحفاظ على الأمن. بعد ذلك قسد اتخذتها ذريعة وحاصرت الحسكة ومنعت دخول الطحين واستولت على المؤسسات".
هل يزداد التصعيد؟
وما يحصل في حلب والحسكة في الوقت الحالي يعيد الذاكرة إلى شهر فبراير من عام 2021، وحينها توترت العلاقة كثيرا بين "قسد" وقوات النظام السوري في مركز الحسكة والقامشلي، وتطورت لتصل إلى نقطة الاشتباكات المسلحة.
وتبادل الجانبان حينها "اتهامات التحريض"، فيما بقي الباب مفتوحا دون التوصل إلى أي "اتفاق واضح"، وذلك اعتبارات تتعلق برؤية كل طرف للآخر، على الرغم من قنوات الحوار التي لم تغلق خلال السنوات الماضية، بحسب تأكيداتهما.
و"ما دام ليس هناك أي اتفاق رسمي بين الإدارة والدولة لإدارة المنطقة فإن أي خلاف حتى ولو كان بسيطا قد يؤدي إلى نزاع".
ومع ذلك يقول الأكاديمي، فريد سعدون: "ما هو معهود بين الطرفين أن هناك تفاهم ضمني بعدم الانجرار إلى أي صراع مسلح، إذ يضر ذلك بمصالح الطرفين ويجعلهما عرضة لهجمات الفصائل المناوئة. لذلك هما يتجنبان دائما الخوض في أي اشتباكات مسلحة".
ولا يعتقد سعدون أن الأمور تتجه نحو التصعيد، مشيرا إلى عدة أسباب تمنع ذلك.
وأهمها أن "الطرفين بينهما نوع من التفاهم بحل أي إشكال من خلال الحوار، إذ أصبحت هذه اللقاءات اعتيادية، وعندما تتعقد الأمور بينهما فإن هناك دولة راعية تتدخل لتشرف على هذه الحوارات، وبالتالي يتم الإحاطة بأي خلاف ووأده دون السماح بتطوره وتصعيده إلى مستويات خطيرة".
ويضيف الأكاديمي الكردي: "أعتقد أن الأمور تتجه نحو التهدئة والحل، وخاصة كانت هناك بوادر حسن نية ومنها الاجتماع الذي جرى في الحسكة".
وتعهدت "قسد" خلال الاجتماع بـ"تسليم كلية الزراعة لرئاسة الجامعة وحل مشكلة الطلاب، وأيضا تسليم جميع الدوائر الحكومية والسماح للموظفين بالعودة إلى ممارسة أعمالهم الاعتيادية".
ويتابع سعدون: "الحل النهائي مازال يتم تناوله عبر الحوار في بحث عن تفاهم يمنع تكرار مثل هذه الاستعصاءات".
بدوره يرى المحلل السياسي، غسان يوسف أن "الممارسات السائدة لن تصل إلى مرحلة الصدام النهائي، بسبب حرص كل طرف على إبقاء شعرة معاوية بينهما. هذا ما تعودنا عليه".
ويقول: "لكن إذا تطورت الأمور بشكل كبير أعتقد أن الوضع سيستدعي تدخلا سوريا كبيرا بمؤازة روسية".
"لعبة ضغوط"
ولطالما دعت "الإدارة الذاتية" الكردية و"قسد" النظام السوري لجولات حوار وتفاوض، وهو ما رفضه الأخير في عدة مناسبات على العلن، فيما تؤكد روايته الرسمية على أن من يسيطر على مناطق شمال وشرق سوريا "ميليشيات".
وعلى هامش ما سبق استمرت علاقة تحالف تكتيكي بين "وحدات حماية الشعب" (عماد قسد العسكري) والنظام السوري على مدى سنوات، كما ربطتهما صلات تجارية مربحة تتعلق بالنفط.
وبحسب الصحفي السوري، باز بكاري فقد بات ملاحظا أن معظم الصدامات التي حصلت بين النظام السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" و"الأسايش" كانت شرارتها الأولى من جانب الطرف الأول.
ويقول بكاري لموقع "الحرة": "وللمفارقة وفي معظم الصدامات كان النظام يخسر مواقعا جديدة، لكن هذه المرة استخدم النظام أسلوبا جديدا وهو تجويع المدنيين، وهو بالمجمل ليس بغريب عليه، فهي اللعبة التي يحترفها منذ انطلاق الثورة السورية مع كل معارضيه".
ولن تتطور المستجدات الحالية في الحسكة وحلب إلى "صدام ساخن، لأن النظام السوري يدرك أن سيخسر هذه الجولة أيضا، والجانب الروسي ليس في وضع يسمح له بالانشغال بهكذا صدامات جانبية".
وتحدث بكاري أن المنطقة الشرقية من سوريا تشهد في هذه الفترة زيارات لمسؤولين أميركيين، بينما هناك اتفاق سياسي بين الأحزاب الآثورية السريانية، وحديث عن قرب إطلاق جولة جديدة من الحوار الكردي-الكردي.
وكل هذه الترتيبات، وفق الصحفي السوري تأتي "ضمن خطة أميركية سابقة لتوحيد مكونات وتشكيل إدارة جديدة مدعومة من واشنطن، وهذا ما لا يرغب به النظام السوري ويحاول التشويش عليه".
القدس العربي