سهم محمد العبادي
الأردني، حفظه الله، أصبح "أمين عام الأمم المتحدة" غير الرسمي. كل حدث صغير أو كبير يدور على الكرة الأرضية تجد لديه تعليقًا جاهزًا وتحليلاً استراتيجيًا لا يقبل النقاش. انفجار في اليابان؟ الأردني عنده تفسير فيزيائي. انقلاب في أمريكا الجنوبية؟ الأردني يعرف أسماء قادة الانقلاب وأسباب فشلهم المحتمل. مباراة كرة قدم في الدوري البرازيلي؟ الأردني لديه رأي في خطط المدرب وتشكيلة اللاعبين.
لكن عندما يتعلق الأمر بأحداث وطنه، فجأة يصاب بمتلازمة "الأطرش في الزفة". الفقر؟ "والله إحنا بخير، غيرنا أسوأ". البطالة؟ "بدها صبر، الدنيا دوارة". الرسوم والضرائب التي تضرب من كل الاتجاهات؟ "بدها نتحمل شوي". وكأن مشكلاته الوطنية مجرد فيلم وثائقي ممل على قناة لا يشاهدها أحد.
لو سألت الأردني عن سعر النفط العالمي، سيعطيك تحليلًا دقيقًا عن البورصات وتذبذبات الأسواق العالمية. لكن لو سألته عن ارتفاع فاتورة الكهرباء في منزله، سيرد عليك: "شكلها الغسالة بتسحب كهربا زيادة".
الأردني يتفاعل مع حرائق الغابات في كندا أكثر من تفاعله مع حرائق جيبه بسبب الأسعار. يكتب بوستات حزينة عن أزمة اقتصادية في دولة على بعد آلاف الأميال، لكنه لا يهتم إن كانت عائلته ستضطر للاستغناء عن اللحم هذا الشهر بسبب غلاء الأسعار.
حتى البطالة التي تأكل شبابنا، أصبحت بالنسبة له ظاهرة طبيعية. يراها مثل شجرة قديمة أمام منزله، لا يلتفت إليها إلا إذا قررت البلدية قطعها. "شو يعني بطالة؟ إحنا متعودين"، يقولها الأردني بكل ثقة، وكأن الوطن يعيش منذ الأزل في برنامج "البقاء للأقوى".
أما الفقر، فحدث ولا حرج. الأردني يقرأ عن معاناة فقراء في دولة نائية ويشعر أن عليه أن يتبرع فورًا. لكن عندما يرى جاره يعاني، يعتقد أن المشكلة في "إدارة المصروف".
والمضحك المبكي، أن الأردني يصر على أنه "فهمان" في كل شيء. يتحدث عن تغيّر المناخ كأنه حاصل على دكتوراه في الأرصاد الجوية، لكنه لا يلاحظ أن تغيّر "حال المواطن" أصبح أسوأ من تغيّر الطقس. يكتب مقالات عن العدالة الاجتماعية في العالم، لكنه لا يكترث إذا كان ابنه عاطلًا عن العمل بسبب غياب العدالة في توزيع الفرص.
يا عزيزي الأردني، العالم لا يحتاج إلى خبراتك التحليلية، لكن وطنك يحتاج إلى اهتمامك. لا يمكننا أن نغير العالم ونحن عاجزون عن تغيير حالنا. أنت لست مُلزَمًا بفهم كل أزمات الكرة الأرضية، لكنك مُلزَم بفهم أزمات وطنك.
باختصار، إذا كنت تعرف تفاصيل الأزمة السياسية في تشيلي ولا تعرف لماذا فاتورتك الشهرية أصبحت ثلاثة أضعاف دخلك، فأنت تحتاج إلى وقفة مع نفسك. وإذا كنت تشارك صور قطط تعاني في شوارع نيويورك، ولا تهتم بمعاناة الأرامل في قريتك، فأنت بحاجة إلى إعادة ضبط بوصلة مشاعرك.
فيا سيد الكرة الأرضية، اترك العالم قليلاً وامنح بعض وقتك لوطنك، لأنه يستحق منك أكثر من مجرد بوستات عن الآخرين.