أخبار اليوم - في الوقت الذي بدأت فيه ظواهر طبيعية عديدة تظهر يوما بعد آخر، تبرز الدعوات إلى الإسراع بإنقاذ البحر الميت من الجفاف نتيجة انخفاض منسوبه إلى مستويات حرجة.
فبعد ظاهرة الحفر الانهدامية وتجمعات المياه الحمراء، بدأت تظهر على جوانب الشاطئ الشرقي للبحر الميت العديد من الجزر الملحية، فضلا عن ظهور ظاهرة المداخن الملحية التي يعدها علماء إنذارا مبكرا لحدوث حفر انهدامية أكبر.
ويرى الرئيس التنفيذي لجمعية أصدقاء البحر الميت، زيد ركاد السوالقة، أن انخفاض منسوب مياه البحر الميت نتيجة التغيرات المناخية وتحويل روافده سيكون له انعكاسات خطيرة على البيئة والنظام الحيوي في المنطقة، موضحا أنه يجب العمل على وقف استنزاف المياه وتدني مستواها وضرورة اتخاذ خطوات عاجلة للحفاظ على البحر الميت وضمان بقائه كإرث طبيعي للأجيال المقبلة.
وكان فريق بحثي من مركز "هيلمهولتز" للأبحاث البيئية في ألمانيا، قد كشف عن ظاهرة المداخن الملحية، وهي عبارة عن تركيبات جيولوجية فريدة تتشكل نتيجة تصاعد سائل مالح للغاية من أعماق الأرض على هيئة أعمدة تشبه الدخان الأبيض، ولكن في هذه الحالة، السائل ليس بخارا، بل محلول ملحي كثيف يتبلور فور خروجه إلى مياه البحر الميت المشبعة بالأملاح.
وبحسب مجلة "ساينس أوف ذا توتال إنفايرومنت"، فإن هذا الاكتشاف يعد خطوة مهمة لفهم العمليات الجيولوجية في واحدة من أكثر البيئات قسوة على كوكب الأرض، كما يعد مؤشرا على ظاهرة أخطر، وهي "الحفر الانهيارية".
ويرى السوالقة، أن الحل الأمثل هو إمداد البحر الميت بكميات وافرة من المياه من خلال تحويل مسار الناقل الوطني عبر وادي عربة مع إنشاء خط مائي لتغذية البحر الميت، موضحا أن تدشين الناقل الوطني بين البحر الأحمر والبحر الميت سيمكن الأردن من توليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفير مياه صالحة للشرب.
وأضاف السوالقة، أن هذا التغيير في الخطة سيحقق فوائد بيئية واقتصادية على حد سواء، إذ يعد البحر الميت من أهم المواقع الطبيعية في الأردن والعالم، ويشكل نقطة جذب سياحية واقتصادية مهمة، محذرا من أن استمرارية انحسار منسوب المياه تهدد البيئة الفريدة للبحر الميت وتعرض المنطقة لمخاطر بيئية كبيرة، في حين أن تحويل مسار المياه باتجاه البحر الميت سيسهم في تقليل حجم الانحسار كجزء من إستراتيجية وطنية شاملة لإنقاذ هذا المعلم الطبيعي.
ويؤكد خبراء، أن المداخن الملحية تشير إلى عملية تسرب المياه المالحة من الجوف إلى سطح القاع، وهي العملية نفسها المسؤولة عن تكون الحفر الانهيارية، لذلك، فإن المداخن تعد علامة تحذيرية على حدوث تآكل في المواد الجيولوجية أسفل قاع البحر، وهو ما يؤدي إلى تكون الحفر الانهيارية.
وبحسب إحدى الدراسات، فإن الحفر الانهيارية هي أخاديد أو فجوات تنشأ نتيجة لذوبان الصخور تحت الأرض بسبب تسرب المياه المالحة، فعندما تختلط المياه الجوفية المالحة مع الأملاح القابلة للذوبان، مثل الهاليت (الملح الصخري)، فإنها تؤدي إلى ذوبان الصخور تحت الأرض وتشكيل فراغات، ومع مرور الوقت، يمكن لهذه الفراغات أن تنهار، مما يؤدي إلى تشكل حفر انهيارية على سطح الأرض، والمداخن الملحية تكون بمثابة دليل على حدوث هذا النوع من التآكل.
وبالعودة إلى تصريحات سابقة لأمين عام سلطة وادي الأردن الأسبق المهندس سعد أبو حمور، فإن البحر الميت خسر ثلث مساحته السطحية في العقود الستة الماضية، لافتا إلى أن استمرار انحسار مياهه على هذا المنوال سيضعه في مواجهة خطر الجفاف، خاصة أن الأردن يأتي بالمرتبة الثالثة بعد دولة الاحتلال وسورية بالحصص المائية العابرة من الحدود، سواء كانت من نهر اليرموك أو من أعالي نهر الأردن.
وقال "لا شك أن انخفاض منسوب مياه البحر الميت بأكثر من متر سنويا سيكون له آثار كارثية على المحيط الحيوي والبيئي وعلى القطاع السياحي في المنطقة"، موضحا "أن انحسار المياه سيؤدي إلى تشويه وتدمير الشواطئ وظهور المزيد من الحفر الانهدامية والتكوينات الجغرافية الخارجة عن النمط الجغرافي والبيئي، كظهور تجاويف وانحدارات كبيرة".
وعزا أبو حمور الانخفاض التاريخي لمنسوب مياه البحر الميت، إلى انحسار التدفقات التي تزوده بالمياه، سواء من نهر الأردن أو الأودية من كلا جانبيه، بالإضافة إلى زيادة معدلات التبخر السطحي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وتناقص كميات الهطل المطري، إلى جانب الاستغلال الجائر لمياهه في الصناعة.
وبين أن روافد نهر الأردن التاريخية كانت تزيد على 1.3 مليار م3، إذ إن رافده الرئيس هو نهر اليرموك؛ حيث كان يغذي النهر في الماضي بـ480 مليون متر مكعب سنويا، في حين تصل الكميات التي ترفد النهر من جبل الشيخ في لبنان حتى بحر الجليل وطبريا إلى حوالي 540 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى الأودية الجانبية، موضحا أن نهر الأردن فقد منذ ستينيات القرن الماضي ما يقارب من 96 % من مياهه المتدفقة بعد قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي بتدشين الخط الناقل لجر مياه النهر إلى منطقة بئر السبع.
وحذر أبو حمور من تسارع عمليات انخفاض منسوب البحر، التي قد تؤدي إلى فقدان واحدة من النقاط البيئية النادرة على مستوى العالم كأخفض بقعة على كوكب الأرض.
الغد