أخبار اليوم - تلقي تداعيات فصل الشتاء، بظلال قاسية، على العديد من الأسر القاطنة في لواء الغور الشمالي التابع لمحافظة إربد، التي تعاني من ظروف معيشية صعبة، حيث تجهد في إيجاد طرق ووسائل لمواجهة البرد القارس، خصوصا في ساعات الليل والصباح الباكر، وكذلك مياه الأمطار التي تداهم خيمهم أو بيوتهم المتهالكة المغطاة أسقفها بـ"الزينكو".
يحدث ذلك، في وقت تراجعت فيه المساعدات التي تقدمها عادة الجمعيات الخيرية، بسبب تراجع التبرعات المقدمة لها وافتقادها كذلك لقاعدة بيانات محدثة تمكنها من مساعدة الجميع.
وفي جولة لـ"الغد" على عدد من المنازل، تبين أن الأوضاع المعيشية تزداد صعوبة وباتت تطال غالبية السكان، حيث يجهد العديد من أرباب الأسر لتوفير أبسط متطلبات الحياة اليومية، إضافة إلى تأمين وسيلة دفء وإن كانت بسيطة، فيما العديد من المنازل غير مهيأة لاستقبال تقلبات الطقس، وسط مطالبات مستمرة للجهات المعنية بضرورة تفقد أوضاع الأسر والتواصل معها، وليس مجرد الاكتفاء بتقديم مساعدات مالية تعد، وفق أرباب الأسر، متواضعة وغير كافية للحاجة.
المواطنة فاطمة العلي التي تعيش هي وأسرتها في غرفة من الألواح المعدنية، تقول لـ"الغد"، إنها تعيش معاناة لا توصف خلال الشتاء، فالأمطار تقطر على رؤوسهم، والرياح تهز بقوتها كيان مسكنهم المتواضع الذي استطاعوا أن يلجأوا إليه، لكن من دون أن تتوافر فيه أدنى مقومات الحياة، في حين أن معاناتهم تشتد في ظلام الليل، حيث البرد لا يرحم كبيرا ولا صغيرا.
وأضافت العلي أنها تضطر في كل يوم إلى جمع الحطب لمنح عائلتها القليل من الدفء الذي يتلاشى مع إطفاء موقد الحطب، موضحة "أن معاناتهم تتكرر كل شتاء مع هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، في حين أن أوضاعهم الاقتصادية السيئة تحول دون حصولهم على أي وسائل تدفئة لمواجهة تدني درجات الحرارة أو حتى توفير ملاذ آمن يحميهم من تسرب المياه إلى مسكنهم".
فوق ذلك كله، تشير العلي إلى أنها تعاني من العديد من الأمراض المختلفة التي تمنعها من العمل، إذ تعاني من أمراض في الكلى وضغط الدم وتورم في القدمين، كما أن زوجها يعاني من مرض الصرع، والشحنات الزائدة.
ولعل حال أم خالد ليس بأفضل من حال فاطمة العلي، فهي، كما تقول لـ"الغد"، تسكن وأسرتها في بيت متهالك، هو أقصى ما استطاعت توفيره لأبنائها، مشيرة إلى أن "الأوضاع في الشتاء كارثية بكل ما للكلمة من معنى، فبرودة الأرض التي يفترشونها تنهك أجسادهم كل ليلة، والخوف من حدوث حريق يمنعهم من إدخال الموقد إلى داخل المنزل، والرياح الشديدة تبث الرعب في قلوبهم".
وأضافت أم خالد "أن المساعدات التي كانت تصلهم لمواجهة تداعيات الشتاء تقلصت كثيرا في العامين الأخيرين، فغالبية الجمعيات باتت عاجزة عن تقديم المساعدات، بخاصة الأغطية اللازمة للأطفال"، لافتة إلى أن "العديد من العائلات تعاني أوضاعا مأساوية طيلة الشتاء، وأن الأسر المعوزة هناك بالكاد تجد قوت يومها".
أما المواطنة إخلاص محمد، من منطقة المخيبة، فتقول "إن المساعدات المقدمة لا تكفي أحيانا لدفع أجرة المنزل، وتبقى جميع الأمور الحياتية اليومية معلقة بانتظار الفرج"، مشددة على أن "الدعم الذي تتلقاه الأسرة من صندوق المعونة لا يكفي لتلبية أبسط المتطلبات، والمساعدات التي كانت تصلهم لمجابهة الشتاء كالأغطية والملابس اللازمة للأطفال قلت كثيرا، لأن غالبية الجمعيات باتت عاجزة عن تقديم المساعدات".
وأضافت محمد "أن الأوضاع في الشتاء كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، برودة الأرض التي نفترشها تنخر أجسادنا، نستعين بالحطب رغم خطورة إشعاله داخل المنزل من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الدفء".
إلى ذلك، يؤكد العديد من النشطاء في المجال الاجتماعي، أن الفقر وضيق الحال وارتفاع أثمان المحروقات، كلها أسباب كافية لعدم اقتنائهم وسائل تدفئة حديثة كالمدافئ، ما يجعلهم يلجأون لاستخدام وسائل بدائية كإشعال النيران للتدفئة، مشيرين إلى أن "فصل الشتاء، رغم كل ما فيه من خير وبركة، لكن برده يعد كابوسا للأسر الفقيرة لعدم قدرتها على مواجهته، خصوصا في العديد من مناطق وادي الأردن".
وأضافوا "أن هذا الواقع ليس جديدا على لواء الأغوار الذي يصنف من بين المناطق الأشد فقرا في المملكة، إلا أن السنوات القليلة الأخيرة، ومع تراجع أوضاع غالبية السكان، وجفاف مصادر الدعم التي كانت تتلقاها جمعيات خيرية تساعد بها العديد من الأسر، تحولت العديد من الأسر من أسر معوزة إلى أسر مطحونة وفقيرة جدا".
من جانبها، تؤكد رئيسة جمعية "تلال المنشية"، تهاني الشحيمات "أن الشتاء يشكل عبئا ثقيلا على العديد من الأسر الفقيرة في لواء الغور الشمالي التي تعجز عن توفير مصادر التدفئة، كون معظمها تعجز في الأصل عن توفير لقمة العيش لأبنائها، إلا من خلال المساعدات أو رواتب صندوق المعونة الوطنية التي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية".
وأضافت "أن الجمعية تسهم بحل بعض أو جزء من المشكلة، من خلال العمل على توزيع طرود غذائية بسيطة أو أغطية، ولكن عدد المحتاجين في تزايد ويفوق قدرة الجمعيات".
وتؤكد الشحيمات لـ"الغد"، "أن تراجع القطاع الزراعي، خصوصا قطاع زراعة الحمضيات الذي كان يؤمن مصدر دخل لعدد كبير من الأسر في الأغوار، أسهم في اتساع رقعة الفقر، حتى بات الهم الأكبر لأي أسرة هو توفير الطعام والماء".
ووفق مصدر من مديرية التنمية الاجتماعية بالأغوار، فإن "وزارة التنمية الاجتماعية ومديرياتها الموجودة في الألوية تعمل بشكل دائم على تقديم المساعدات للأسر المتضررة نتيجة الأمطار، وتشمل هذه المساعدات وسائل تدفئة وأغطية وفرشات ومعونات طارئة، إضافة إلى المساعدات العينية والنقدية".
الغد