الاتفاقيات التجارية أداة لتعزيز التنافسية عن طريق زيادة الصادرات
إعداد الشباب لوظائف المستقبل والاستثمار به منعاً لهجرة العقول
أخبار اليوم - أكد عضو غرفة صناعة عمان والكاتب الاقتصادي المهندس موسى الساكت أن الأردن يمتلك ثروة بشرية استراتيجية تُعد من أهم روافع النمو الاقتصادي، إذا ما وُظِّفَت بالشكل الذي يعظم من عوائدها.
جاء ذلك في معرض تعليقه على خطاب العرش الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العشرين لمجلس الأمة، حيث أبرز جلالته أهمية التحديث الاقتصادي وتهيئة الشباب لدخول أسواق العمل المستقبلية، واصفًا الكفاءات الأردنية بأنها مورد اقتصادي مستدام وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني، تتطلب استثمارًا استراتيجيًا يواكب متطلبات العصر.
أشار الساكت إلى أن تركيز جلالة الملك على الكفاءات البشرية يعكس رؤية اقتصادية استراتيجية تهدف إلى التحول من الاقتصاد الريعي التقليدي إلى اقتصاد إنتاجي مبتكر يعتمد على المهارات والإبداع.
وأوضح أن الاستثمار في الكفاءات الأردنية يتطلب إجراء إصلاحات هيكلية شاملة في المنظومة التعليمية والتدريبية، مع التركيز على التعليم الفني والتقني والرقمي. هذه المجالات أصبحت اليوم محور الاقتصاد العالمي، حيث إن الكفاءات المؤهلة في مجالات الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، والاقتصاد الأخضر هي المحرك الأساسي للتنمية المستدامة.
وأضاف الساكت أن"هجرة العقول» يتطلب تقديم حوافز محلية تنافسية تُشعر الشباب بقيمة إسهامهم في الاقتصاد الوطني. فالاحتفاظ بالكفاءات لا يقل أهمية عن استقطاب الاستثمارات الأجنبية وهو عنصر مهم ايضاً في جذب هذه الاستثمارات.
تناول الساكت في تحليله أهمية الاتفاقيات التجارية التي شدد عليها جلالة الملك كأداة محورية لتعزيز الأداء الاقتصادي. وأشار إلى أن العلاقات الدولية التي يتمتع بها الأردن تُعد رأس مال دبلوماسي قابل للاستثمار الاقتصادي. وشرح الساكت كيف تُوفر اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، التي تمنح الأردن فرصة الوصول إلى سوق استهلاكي ضخم دون قيود جمركية، بيئة مثالية لتعزيز تنافسية الصناعات المحلية وزيادة الصادرات الوطنية. لكنه حذر من الاعتماد المفرط على قطاعات تقليدية مثل المحيكات، داعيًا إلى إدخال قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى، مثل تكنولوجيا المعلومات والصناعات الدوائية، ضمن الاستفادة من هذه الاتفاقيات.
وفي سياق متصل، أشار الساكت إلى أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تُعد واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني، حيث إن العجز التجاري مع أوروبا يعكس ضعف الاستفادة من هذه الشراكة. وأكد أن تحسين الأداء التصديري إلى الأسواق الأوروبية يتطلب بناء استراتيجيات تسويقية فعالة، وتطوير خطوط إنتاج تلبي المعايير الأوروبية الصارمة. كما شدد على ضرورة إنشاء شراكات صناعية بين الشركات الأردنية ونظيرتها الأوروبية لنقل التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية. رؤية جلالة الملك في هذا السياق تتطلب مقاربة شاملة تسهم في تحويل هذه الاتفاقية إلى محرك للنمو، بدلًا من أن تكون مصدرًا للعجز.
كما أوضح الساكت أن توجه جلالة الملك نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول آسيا يعكس إدراكًا عميقًا للتحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. وأكد أن الصين والهند على وجه الخصوص تمثلان أسواقًا هائلة ومزدهرة، تتيح للأردن فرصة تنويع شركائه التجاريين وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية. وأضاف أن القطاعات التصديرية مثل الفوسفات والأسمدة، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية، يمكن أن تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز العلاقة الاقتصادية مع هذه الدول. كما أن استثمار التكنولوجيا في تحسين جودة المنتجات ورفع تنافسيتها هو أمر حتمي لتحقيق اختراق أكبر في هذه الأسواق.
أما فيما يتعلق بالكفاءات الأردنية، فقد أشار الساكت إلى رؤية جلالة الملك بشأن إعداد الشباب لوظائف المستقبل، مؤكدًا أن التحول إلى الاقتصاد الرقمي يعتمد بشكل رئيسي على الاستثمار في رأس المال البشري. وأوضح أن بناء اقتصاد معرفي يتطلب توفير برامج تدريبية متخصصة، تعزيز منظومات التعليم العالي، وربطها بسوق العمل من خلال شراكات مع القطاع الخاص. وأضاف أن الاقتصاد الرقمي، بما يشمله من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، ليس فقط مفتاحًا للنمو المحلي، بل أداة رئيسية لجعل الاقتصاد الأردني أكثر قدرة على المنافسة عالميًا.
اختتم الساكت حديثه بالتأكيد على أن رؤية جلالة الملك حول الكفاءات البشرية والاتفاقيات التجارية تشكل أساسًا لبناء نموذج اقتصادي جديد أكثر استدامة وشمولًا. وأشار إلى أن تعزيز تنافسية الاقتصاد الأردني يتطلب إصلاحات جذرية في البنية التحتية للصادرات، مثل المناطق الصناعية واللوجستية، وتحفيز القطاعات المبتكرة التي تحقق قيمة مضافة عالية. كما دعا إلى ضرورة توسيع الشراكات الدولية والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في مجالات مثل الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة.
ورأى الساكت أن استثمار العلاقات الدولية التي أشار إليها جلالة الملك يُعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث إن تنويع الشركاء التجاريين وتعزيز الاتفاقيات مع الأسواق الناشئة يُسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي. وأضاف أن الأردن يمتلك كل المقومات للنجاح، بشرط أن يُسْتَفَاد من هذه الرؤية الملكية في وضع خطط عملية ومرنة تركز على الكفاءات الوطنية والعلاقات الدولية.
بهذا التحليل الشامل، أكد الساكت أن توجيهات جلالة الملك ليست فقط عناوين مهمة لخارطة طريق للنمو، بل دعوة إلى كل الجهات الاقتصادية للعمل المشترك نحو تحقيق اقتصاد مزدهر ومستدام يعتمد على الإنسان والعلاقات الدولية كأساس قوي لرفع معدلات النمو الاقتصادي.