أخبار اليوم - لا تذكر النازحة الخمسينية أم محمد أبو كرش متى كانت آخر مرة نجحت فيها بالحصول على شيء من الخضروات الشحيحة في قطاع غزة، لدرجة بات فيها تناول طبق من السلطة "أمنية لها".
"من زمان ما اشتريتها.. يمكن الي شهر حد الله ما دخلت الخضار خيمتي"، بهذه الكلمات تعبر أم محمد عن افتقارها وأسرتها المكونة من 10 أفراد منهم أربعة أطفال لمقومات العيش.
ويترافق ذلك مع شح الخبز والدقيق وأساسيات الغذاء في القطاع الذي تنهكه حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وخلال تجوالها في سوق دير البلح أملا في الحصول على قوت يوم أطفالها، تقول أم محمد لـ"فلسطين أون لاين" بأسى بلغ ذروته في نبرة صوتها: "مش السلطة بس أمنية.. الخيارة الواحدة أمنية نفسنا ناكلها.. البندورة بنقدرش نمسكها إذا شفناها كأنها ممنوعات".
ومع منع الاحتلال الإسرائيلي البضائع والمساعدات من الدخول إلى قطاع غزة المحاصر أصلا منذ نحو 18 عاما، فإنه دمر مقدرات القطاع الزراعي، وفق توثيق منظمات دولية.
ويخاطر المزارعون والصيادون ومربو الماشية في غزة بحياتهم في بعض الأماكن لمواصلة الإنتاج.
ووجهت المحكمة الجنائية الدولية الخميس تهما لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المقال يؤاف غالانت باستخدام الجوع سلاحا وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتشكو أم محمد من تسبب هذه السياسة التي ينتهجها الاحتلال في الارتفاع الحاد بأسعار البضائع نادرة التوفر، قائلة: "الأسعار نار.. الخضار إن وجدت بنقدرش نشتريها وأنا معيش خمسة شواقل في الخيمة".
وتفيد بأنها لا تملك وزوجها أي مصدر دخل، ويعتمدون فقط على الخبز إن توفر، وعلى ما تعده بعض التكايا بين الحين والآخر.
ولا تعرف أم محمد بم تجيب على أطفالها الذين يشتهون الطعام والخضروات غير محاولتها التخفيف عنهم والدعاء لهم: "ربنا يفرجها عليكم".
ويؤثر انعدام الأمن الغذائي على صحة أسرتها، وتعبر عن ذلك بقولها: "أنا نفسي أمشي خطوتين بتعب وبمسك بالحائط، كيف الطفل؟".
وتعتقد أم محمد أن نهج تجويع الغزيين يرمي إلى تهجيرهم من أرضهم لكنها تقول: "بنعيش في بلدنا وبنموت في بلدنا".
وانهارت الأنظمة الغذائية الزراعية في قطاع غزة ودُمر الإنتاج المحلي للغذاء، بحسب إفادة مدير مكتب الطوارئ والصمود بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) راين بولسون في 12 من الشهر الجاري.
وتشير التحليلات الجغرافية المكانية -وفق حديثه في جلسة بمجلس الأمن- إلى أن ما يقرب من 70% من أراضي المحاصيل - التي ساهمت في ثلث الاستهلاك المحلي - قد دُمرت أو لحقت بها أضرار منذ عام.
وبالمثل تضرر الإنتاج الحيواني بشكل كبير، إذ نفق ما يقرب من 95% من الماشية وأكثر من نصف قطعان الأغنام والماعز.
وكانت غزة قبل حرب الإبادة مكتفية ذاتيا إلى حد كبير بما تنتجه من خضراوات وبيض، وحليب ودواجن وأسماك، كما أن قطاع الزراعة المحلي أنتج أيضا الكثير من اللحوم الحمراء والفواكه التي كانت تستهلك داخل القطاع، بحسب بولسون.
لكن الآن "يتضور رجال ونساء وفتيان وفتيات جوعا بشكل فعلي (...) وتُمنع المنظمات الإنسانية من توصيل المساعدات إلى المحتاجين"، كما قال.
صرنا نشتهيه.."
وفي سوق دير البلح أيضا أمسك النازح وجدي سالم بحبة واحدة من الطماطم وأعادها إلى مكانها دون أن يتمكن من شرائها لارتفاع ثمنها.
يقول سالم الذي يعمل معلما في المرحلة الثانوية: "ثمن الخضروات إن وجدت مرتفع جدا بالنسبة للموظف وغير الموظف"، مشيرا إلى أن الكيلوجرام الواحد من الطماطم يقدر بـ50 شيقلا والبصل بـ70 شيقلا.
ويضيف لـ"فلسطين أون لاين": "حاولت أشتري بندورة.. طلب مني البائع 50 شيقلا للكيلوجرام الواحد وأسرتي مكونة من تسعة أفراد وبحاجة لضعف هذه الكمية".
"طبق السلطة صرنا نشتهيه، بعدما كان أساسيا على المائدة فتكلفته اليوم نحو 100 شيقل ليكفي تسعة أفراد"، يواصل كلامه.
ويفيد سالم الذي أجبر على النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه بأنه لم يشتر الخضروات منذ ثلاثة أشهر، مشيرا إلى أن توغل جيش الاحتلال في جنوب قطاع غزة عقد المشهد الغذائي الذي بات "صعبا جدا" في ظل إغلاق حاجز كرم أبو سالم بين قطاع غزة والأراضي المحتلة سنة 1948 أيضا.
وفاقم الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني منذ مايو/أيار وتلاعبه بحركة دخول البضائع والسلع والمساعدات للقطاع عبر حاجز كرم أبو سالم التجاري معاناة الغزيين المنهكين بحرب الإبادة.
وخلال أكتوبر/تشرين الأول وبذريعة ما تسمى "الأعياد اليهودية" أغلق الاحتلال حاجز كرم أبو سالم وشدد قيوده، وتوقف دخول الشاحنات الإغاثية والتجارية، ما سبب انعكاسات مباشرة على قوت الغزيين.