تبارى 10 فنانين تشكيليين من 4 دول عربية هي السعودية والعراق وسوريا إضافة إلى الأردن في إبراز جماليات الخط العربي من خلال معرض أقامه غاليري "رؤى للفنون" في غرب عمّان بعنوان "روحانيات رمضانية".
المعرض -الذي يضم 25 لوحة ويستمر حتى الرابع من أبريل/نيسان الجاري- ركز على سور وآيات من القرآن الكريم بإمضاء جيلين من الفنانين هم رواد هذا الفن ومن ساروا على دربهم من الجيل التالي للخطاطين العرب.
وإذا كان هدف إقامة "روحانيات رمضانية" هو دعم وتذكير الجيل الصاعد بالفن العربي الإسلامي فقد مثلت اللوحات المعروضة مدارس فنية تشكيلية مختلفة، لكنها التقت في محور إظهار جماليات الخط العربي الذي كان لسنوات مضت هوية وطنية، واستكشاف توجهات الحرف العربي في تطورات الفن المعاصر.
عمق إسلامي
وأظهرت المقتنيات ثيمات فنية لها عمق إسلامي باستخدام الخط الفارسي والديواني على الأغلب، مما كشف أن الفنان العربي يذهب بعلمه وخبرته إلى مخزونه الحضاري الذي شكل على الدوام رافدا تعبيريا وجماليا لا يتوقف بعيون مفتوحة على الحاضر، عيون حافظت على موروثات حضارتها العربية والإسلامية.
وأثناء جولة استكشافية في أرجاء المعرض ظهر أن التشكيلي السعودي زمان جاسم ينزع بتجربته نحو رؤية حداثية للحروف بتحريرها من قوانينها التقليدية وجعلها مفردة في لوحته عبر أخذها إلى تكوين بصري في إيقاعاتها وحركتها، مع الحفاظ على شكل الحرف ضمن بنائه الواقعي كجزء من سعيه إلى المزج بين حداثية تشكيلية وبين الدلالات الفلسفية والجمالية للحرف العربي.
زخرفة وتذهيب
أما أعمال العراقي حارث الحديثي فتشكل تطويرا للمدارس التقليدية في الخط العربي -وأبرزها المدرسة البغدادية- من خلال زخرفة وتذهيب مصاحف يعود أقدمها للقرن السابع الهجري، وترميمه مخطوطات إسلامية عديدة باستخدامه أنواعا متنوعة من الخطوط كالخط الجلي أو "الجليل".
ويهتم العراقي علي العبادي بالبعد الزخرفي في تصويره معاني النصوص القرآنية أو الأدبية عبر إطارات خطية يبتكرها لتضيف إلى جمالية الخط العربي بعدا آخر ومميزا في الشكل والتركيب، حيث يزخرف ماء الذهب لوحاته لأسماء الله الحسنى والمعوذات.
وضم المعرض لوحات الفنان الأردني الراحل عدنان يحيى الذي اعتبر من الفنانين العرب الذين كرسوا حياتهم وتجربتهم الفنية للتعبير عن القضية الفلسطينية بمساحات لونية واسعة، وظهرت لوحته "الشهيد" أشبه ما تكون بسجل عميق يسرد تاريخ شعبه وأحلامه.
الخط العربي واللوحة المعاصرة
وحسب ما قاله الناقد التشكيلي محمد العامري، فإن غاليري "رؤى للفنون" دأب على استثمار المناسبات الوطنية والدينية، مشيرا إلى أن معرض "روحانيات رمضانية " يقع ضمن توجهاته، حيث يشكل في أفقه العربي والمحلي مساحة مهمة للتعرف على الحروف العربية وتوجهاتها في الفن المعاصر.
وأضاف العامري للجزيرة نت أن اللوحات المعروضة تمتلك تنوعا مهما في ما يخص استخدامات وتوظيف الخط العربي في سياقات اللوحة المعاصرة، حيث توزعت الأعمال في سياقين، الأول مثل هاشم البغدادي الذي التزم بقوانين وأكاديميات الخط العربي الكلاسيكي وكذلك تركي عبد الأمير، فيما ذهب جاسم محمد وعبد الحسين وعلي العبادي وعدنان يحيى ومحمد غموم إلى التحوير والتنويع في الخط العربي المستخدم في اللوحة كقيمة جمالية لا تلتزم كثيرا بقواعد ذلك الخط.
وفي السياق الآخر نلحظ اعتماد التشكيلي السوري محمد غنوم على الجملة الموسيقية في تكرارات الجملة الخطية مركزا على الخط الفارسي والديواني، فيما استخدم علي العبادي تقنية الحروف البارزة وكتلة رئيسية سائدة في لوحته، إضافة إلى بناء خطوطي يحاكي التكوين الأساسي.
المخطوط والهوية
وقال العامري إنه في نهاية الستينيات من القرن الماضي ساد اعتقاد بأن استخدامات الحروف العربية هي جزء من الهوية القومية العربية لفترة طويلة، لكن اللوحة الخطية ليست القيمة الوحيدة التي تعبر عن الجمالية العربية ونافستها العودة إلى جماليات المخطوط العربي الذي يستند على النص والرسم معا إضافة إلى فن "المنمنمات".
من جهتها، قالت الشاعرة منى طه "التقاء أو تمازج معظم صنوف الفن تحت سقف واحد فذاك ما يُسعد أي هاوٍ متذوق، المكان جميل وهادئ، تجولت في جناته بمصاحبة موسيقى هادئة تبعث الراحة والهدوء في النفس".
إبداع بلا حدود
وأضافت منى طه -وهي متابعة ومتذوقة للفن التشكيلي ومن رواد معارضه باستمرار- أن الخط العربي إبداع بلا حدود، مشيرة إلى لوحات رائد الخط العربي هاشم البغدادي الذي تتلمذ على يديه جيل من عشاق الخط، والذي عرضت لوحات له ضمت آيات من القرآن الكريم و"ملأت المكان نورا وجمالا".
وختمت حديثها للجزيرة نت بالإشارة إلى أنه في زاوية التراث تجد مجموعة جميلة من المطرزات والمشغولات اليدوية المتميزة بالدقة والإتقان، وتحمل في ثناياها الفن الفلسطيني وزخرفته البديعة، وتتفاوت بين المفرش والشال والثوب المطرز، أما المرايا فتلك آية أخرى من آيات الإبداع، و"الوصف ليس كالمشاهدة"، كما قالت.
الجزيرة