"أرواح تتآكل" في انتظار السَّفر .. حكايات طلبة جامعيِّين عالقين بغزَّة

mainThumb
"أرواح تتآكل" في انتظار السَّفر... حكايات طلبة جامعيِّين عالقين بغزَّة

10-11-2024 12:05 PM

printIcon

أخبار اليوم - تبدو الشابة نغم الغصين بملامح شاحبة تعاكس ما كان عليه حالها من النشوة لحظة حصولها على معدل 97.1% بالثانوية العامة قبل عام والذي فتح أمامها باب الحصول على منحة دراسية في اختصاص الطب النفسي بباكستان.

لكن الاحتلال الإسرائيلي للجانب الفلسطيني من معبر رفح، المتنفس الوحيد للغزيين، في مايو/أيار سد هذا الباب في وجه نغم إلى جانب مئات الطلبة المحرومين من السفر للالتحاق بمقاعد الدراسة في جامعات خارج قطاع غزة بموجب منح حصلوا عليها.

وتحرم حرب الإبادة الجماعية أيضا 88 ألف طالب من الالتحاق بجامعاتهم في قطاع غزة، و620 ألفا آخرين من مواصلة التعليم المدرسي، بحسب وزارة التربية والتعليم.

وأصاب ذلك نغم وزملاءها الجامعيين بالإحباط، لاسيما أنه يأتي في إطار حرب الإبادة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي أسفرت عن تدمير جامعات في غزة، واستشهاد 619 طالب وطالبة جامعيين و105 عاملين في مؤسسات التعليم العالي وإصابة 1283 طلاب جامعيين حتى 11 أغسطس/آب 2024، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.

تقول نغم": جميع أوراقي الثبوتية وتأشيرتي جاهزون إلا أننا عالقون ولا منفذ نسافر عبره.

وتذكر الشابة التي تقطن في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة كيف تحدت "كل شيء" للوصول إلى معدل مرتفع في الثانوية العامة، قائلة: "نحن في غزة أصلا ظروفنا صعبة وكل منا يتحدى نفسه إلا أن الله أكرمني بالتفوق كمنطلق للسفر والدراسة بالخارج، لكن الحرب جعلتنا عاجزين".

ويعود اختيار نغم اختصاص الطب النفسي إلى مرحلة مبكرة من عمرها عندما كانت تراقب عمل المعالجين النفسيين في أفلام أجنبية شاهدتها.

ونغم هي الثانية في الترتيب بين إخوتها، والتحق أخوها الأكبر قبل عامين باختصاص إدارة الأعمال، وتأمل أسرتهما أن يتمكنا من إتمام دراستهما.

بحسرة تضيف: يفترض أنني سافرت قبل عام والتحقت بالمنحة الدراسية لكن ذلك لم يحدث.

وبنبرة يأس تتابع: على مدار سنة كاملة رأيت زملائي الذين التحقوا من دول أخرى بالمنحة في باكستان وهم يدرسون وأنهوا عامهم الدراسي الأول بينما ضاعت علي هذا الفرصة.

وتتساءل نغم: بم يتميز عني هؤلاء الطلبة حتى يتمكنوا من الدراسة وأنا لا؟ "بشو هم أحسن مني؟".

وتفيد بأنها تواصلت مع سفارة السلطة في باكستان قبل الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح لمساعدتها في السفر لكن دون فائدة.

ولا أمل لنغم حاليا إلا المناشدة، كما تقول، لعلها تفلح في دفع منظمات دولية معنية بالطلبة إلى مساعدتهم في السفر.

ومع رغبتهم العارمة في تمكن ابنتهم من السفر، فإن ذوي نغم يحاولون رفع معنوياتها بالتعبير عن ثقتهم بها وبأنها تفعل ما في وسعها لتحقيق التفوق.

لكن ذلك لا ينفي الأثر النفسي السلبي الذي حل بها وبأسرتها التي تطلب منها التصميم على الالتحاق بهذا الاختصاص والتخرج منه لعلاجها نفسيا مما حل بهم بسبب حرب الإبادة الجماعية.

*"انتهاك لأبسط حقوقنا"*

"انكسار لكل طموحي"، والكلام هذه المرة للطالب الجامعي عثمان الديراوي (26 عاما) الذي يقطن في المحافظة الوسطى.

ويرافق عثمان هم لا يتزحزح منذ عام حاول خلاله السفر إلى ألمانيا بموجب منحة دراسية للحصول على درجة الماجستير في تكنولوجيا المعلومات في ألمانيا.

بصوت متحشرج يقول : الجميع يعرف أن كل الجامعات داخل غزة دمرت ولا بصيص أمل أمامنا.

وبحسب وزارة التربية والتعليم، تعرضت 353 مدرسة حكومية وجامعة ومباني تابعة للجامعات و65 تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" للقصف والتخريب في قطاع غزة، ما أدى إلى تضرر 139 منها، وتدمير 93 أخرى كليا منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى 16 يوليو/تموز 2024.

وعثمان حاصل على درجة البكالوريوس في الاختصاص ذاته من الجامعة الإسلامية بغزة بتقدير جيد جدا، كما أنهى دراسة الثانوية العامة بتقدير مماثل.

وكان عثمان يسير بخطى واثقة ومتسارعة لإكمال تعليمه العالي، قبل أن يصطدم بحرب الإبادة وتداعياتها.

تبرق عينا الشاب بأمنيته في السفر عاجلا للالتحاق بمقاعد الدراسة، قائلا: منعنا من ذلك هو جريمة وانتهاك لأبسط حقوقنا الإنسانية وهو التعليم الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويطالب بتمكينه وزملاءه من السفر لتحقيق أحلامهم التي باتت مؤجلة قسرا، مناشدا "كل صاحب ضمير حي أن يساعدنا".

*"الهندسة المعمارية حلم"*

رغد عليان هي الأخرى طالبة جامعية عالقة ولكن في اختصاص الهندسة المعمارية وكان يفترض أن تتم المستوى الجامعي الأول وتنتقل إلى الثاني لولا العدوان.

وحصلت رغد على معدل 93% في الثانوية العامة بالفرع العلمي، قبل عام.

والشابة التي أجبرها العدوان على النزوح من مدينة غزة التحقت بالجامعة الإسلامية لدراسة الاختصاص ذاته، لكنها كحال آلاف الطلبة اصطدمت بتدمير الجامعة.

وخسرت رغد منحة دراسية في الجزائر بسبب الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح، وعندما حصلت لاحقا على منحة دراسية في ليبيا لم تجد سبيلا للسفر.

تقول رغد : كان الالتحاق باختصاص الهندسة المعمارية حلما، وتفوقت في الثانوية العامة لتحقيقه.

تأخذ شهيقا وزفيرا قبل أن تتابع: عند بدء العام الدراسي الأول كنا متحمسين للغاية، لكن الحرب أوقفت كل شيء، حتى تعليمنا وأبسط أحلامنا، وتأملنا أن تنتهي سريعا وأن نكمل دراستنا لكن ذلك لم يحدث.

وأمام رغد شهر واحد قبل أن تفقد صلاحية تأشيرة السفر إلى ليبيا، وعن ذلك تقول: لا أعرف ماذا أفعل، حاولت كثيرا وناشدت وتواصلت مع السفارة في ليبيا لكن يقولون لنا: ليس بأيدينا شيء لفعله وليست هناك معابر عاملة.

وتعول الطالبة الجامعية على منظمات حقوق الإنسان التي "تتغنى" بحق كل إنسان في التنقل، لمساعدتها وزملاءها في السفر.

وتتساءل عن تلك المنظمات والبعد العربي والإسلامي بقولها: "لا أحد ينظر إلينا، أين دولنا العربية وأمتنا الإسلامية؟ نحن طلبة لماذا هذا الجرم بحقنا؟".

وتنص المادة 13 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة، وله أيضا حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.

ومع إبداء رغد تصميمها على إكمال مسيرتها التعليمية، تذكر أن الجامعة الإسلامية وفرت التعليم الإلكتروني لطلبتها بوصفه السبيل الممكن حاليا في ظل استمرار العدوان، لكن الطالبة تتمنى الحصول على فرصة التعليم الوجاهي الذي تقول إنه الأفضل لمجال دراستها.

وتعد رغد وزملاؤها الأيام والليالي عدا للتمكن من السفر، لكن طول الانتظار "يأكل" أوقاتهم و"أرواحهم".


فلسطين أون لاين