ثقافة الواسطة: هل أصبحت ضرورة أم نتيجة للترهل الإداري؟
أخبار اليوم - عواد الفالح - تعتبر الواسطة من الظواهر الراسخة في المجتمع الأردني، حيث تُستخدم في مختلف مجالات الحياة، من الحصول على الخدمات الحكومية إلى التوظيف والتعليم والعلاج. ما الذي جعل الواسطة بهذا الحضور القوي؟ هل هي جزء من الثقافة الاجتماعية أم نتاج مباشر للبيروقراطية وتعقيدات النظام الإداري؟
البيروقراطية تدفع المواطن نحو الواسطة
يرى الكثير من الأردنيين أن التعقيد في المعاملات وطول الإجراءات هو السبب الأساسي للجوء إلى الواسطة. يقول سامر الحمايدة، موظف في القطاع الخاص: "يا زلمة، المشوار لدائرة حكومية بيخليك تفكر في الواسطة من أول لحظة، الأمور كلها معقدة، والواسطة بتكون الحل الأسرع". هذا الواقع يعكس خللًا واضحًا في الكفاءة الإدارية، ويجعل البحث عن الواسطة أمرًا بديهيًا لتسريع الإجراءات.
الظروف الاقتصادية: الواسطة كوسيلة لضمان الحقوق الأساسية
مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة وندرة الفرص، يصبح اللجوء إلى الواسطة أمرًا شائعًا، خاصة في مجالات التوظيف والتعليم والعلاج. تقول مريم الخوالدة، خريجة جامعية: "بالوضع اللي إحنا فيه، إذا ما كان عندك واسطة، صعب تحصل على وظيفة. صارت الواسطة مش خيار، بل ضرورة". يتكرر الأمر في قطاعي التعليم والصحة، حيث يلجأ الأردنيون للواسطة لتأمين مقاعد دراسية أفضل أو لتسريع الحصول على العلاج في المستشفيات المزدحمة.
الواسطة والعلاج والتعليم
تتجلى أهمية الواسطة بشكل واضح في قطاعات العلاج والتعليم، حيث يُضطر المواطن للبحث عن واسطة لتسريع مواعيد العلاج، أو تأمين مقعد جامعي لأبنائه في تخصصات مرموقة. يقول محمود العبادي، موظف حكومي: "ابني كان بحاجة إلى تحويل لمستشفى، وما مشي الحال إلا بواسطتين. النظام معقد وتحس أنك ما بتقدر توصل حقك بدون واسطة".
غياب العدالة والشفافية
يشعر الأردنيون بالتمييز عند رؤية الأمور تسير بشكل أسرع لمن يملك واسطة، بينما يتعب ويذل من لا يملكها. يقول خالد الزعبي، سائق تاكسي: "لما تشوف كيف اللي عنده واسطة أموره تمام التمام، واللي ما عنده بيتعب وبيلف كثير، بتصير تدور على واسطة من أول لحظة".
منظومة الإصلاح الشامل: هل ستقضي على الواسطة؟
في ظل الحديث عن منظومة الإصلاح الشامل، يُطرح سؤال مهم: هل ستقضي هذه الإصلاحات على الواسطة والمناشدات، أم أن الواسطة باتت واقعًا يصعب تغييره؟ الإصلاحات قد تسهم في تحسين الشفافية وتكافؤ الفرص، لكن التحدي يكمن في التغلب على العادات المتجذرة التي تجعل من الواسطة حلاً سريعًا وفعالًا.
يبقى السؤال: هل يمكن أن تختفي الواسطة مع تحسين النظام الإداري وتعزيز العدالة؟ أم أن الثقافة السائدة والتحديات الاقتصادية ستظل تفرضها كوسيلة لضمان الحقوق؟ معالجة هذه الظاهرة تتطلب جهودًا شاملة، تبدأ بتحسين كفاءة المؤسسات وتطبيق معايير الشفافية، لضمان حصول كل مواطن على حقوقه دون الحاجة إلى واسطة.