احتواء المراهقين وإدراك حاجاتهم .. الطريق نحو بناء شخصية متوازنة

mainThumb
احتواء المراهقين وإدراك حاجاتهم.. الطريق نحو بناء شخصية متوازنة

29-10-2024 01:31 PM

printIcon

أخبار اليوم - مع اختلاف المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، يتفق الجميع على أن مرحلة المراهقة هي الأصعب، وفيها يتحول الفرد من طفل إلى ناضج.

ومع بداية هذه المرحلة العمرية الحساسة، تتغير احتياجات الفرد النفسية والاجتماعية والعاطفية، وتبرز الاحتياجات العاطفية كأهم عنصر في هذه المرحلة، إذ تسهم في تشكيل شخصية المراهق، وزيادة ثقته بنفسه، وتعزيز علاقاته الاجتماعية.

تتنوع الاحتياجات العاطفية للمراهقين بين الرغبة في الاستقلالية والحرية، والشعور بالاستقرار، وبالإنجاز وتكوين الهوية، إضافة إلى الاحتياج للاهتمام والأمان.

ولتلبية هذه الاحتياجات، على العائلة أن تدرك أهميتها وتسعى لتوفيرها للمراهقين، بما يضمن لهم بيئة داعمة ومتوازنة تسهم في نموهم وتطورهم بشكل صحي.

ووفق طارق (38 عاماً)، فإنه يجد صعوبة في فهم أفكار ابنه شهم، البالغ من العمر 16 عاما، إذ أصبح أكثر عنادا وتهورا في الفترة الأخيرة، مما جعل التواصل والتفاهم معه أمرا صعبا ومعقدا.

ويعترف طارق بأنه ما يزال يرى ابنه كطفل صغير، رغم زيادة طوله وتغير صوته، ويستمر في معاملته بالطريقة نفسها. لكن مؤخرا، تفاجأ حين أخبره شهم أنه لم يعد طفلاً، وأنه منزعج من أسلوب التعامل معه.

أدرك طارق أن ابنه شهم يمر بمرحلة صعبة، يسعى فيها إلى تحقيق استقلاليته في تصرفاته، إذ كان يغضب كلما قدم له أي توجيه أو إرشاد.

ويشير طارق إلى أنه يحاول منح ابنه الاهتمام والأمان، ليتمكن من التعبير عن مشاعره والشعور بالاستقلالية، مما يساعده على بناء شخصيته بشكل سليم.

وتوضح سعاد، والدة دارين (17 عاما)، أنه منذ دخول ابنتها مرحلة المراهقة، حرصت هي ووالدها على تغيير طريقة التعامل معها ومنحها شعوراً بالاستقلالية، إدراكا منها بأنها أصبحت فتاة ناضجة.

وتشير سعاد إلى أنها تسعى دائما لإظهار الاهتمام بابنتها دارين ومنحها الأمان؛ لتتمكن من التعبير عن عواطفها. فهي تحرص على معرفة أفكارها وبناء حوار مستمر معها، لدعم تشكيل شخصيتها بشكل سليم.

تؤكد والدة دارين أنها تدرك أهمية هذه المرحلة العمرية وتأثيرها الكبير على تكوين شخصية ابنتها، لذا تحرص على منحها المساحة التي تحتاجها للتعبير عن ذاتها واستكشاف تغير مشاعرها. كما تهتم بالتعرف على أصدقائها، وبناء علاقة مريحة معها تتيح لها اللجوء إليهم كلما احتاجت إلى ذلك.

ومن الجانب التربوي، يوضح الدكتور عايش نوايسة أن الفرد يميل مع بداية دخوله مرحلة المراهقة إلى الرغبة الكبيرة في الاستقلالية، وأحيانا التمرد على الواقع الذي يعيشه للخروج من إطار الطفولة.

ويشير نوايسة إلى أن الثقافة العربية في التربية تعتمد بشكل كبير على سيطرة دور الأب والأم، مما يجعل الأمر لا يتعلق فقط بالتوجيه بقدر ما يتعلق بفرض الأوامر والنواهي.

ويشير نوايسة إلى أن هذه الطريقة في التربية تنبع من عدم فهم طبيعة المرحلة التي يمر بها المراهق. فلو كان هناك إدراك أعمق لهذه المرحلة وأهميتها، لكانت الأسرة أكثر قدرة على تفهم التحولات التي يعيشها المراهق، مما يساعدهم على التعامل معه بشكل أفضل. وبهذا يتمكن المراهق من الحصول على بيئة تشجعه على تحقيق استقلاليته، واتخاذ قراراته، والتواصل بحرية مع أصدقائه.

من جهة أخرى، يذكر نوايسة أن العزلة التي يفرضها الأهل بشكل مفرط على المراهق لها أثر سلبي كبير، لأنها تتعارض مع طبيعة المرحلة واحتياجاتها. فالمراهقة هي مرحلة نمو للعواطف والتواصل الاجتماعي والجوانب الانفعالية، بينما يميل بعض الأهل إلى السيطرة، مما يؤدي إلى نوع من التمرد لدى المراهق.

ويشير نوايسة إلى أن الإشكالية التي تحدث بين الأهل والأبناء ترتبط بطبيعة هذه المرحلة الانتقالية؛ فبعض الأهل ينجحون في التعامل معها لأنهم يدركون التحولات التي يمر بها طفلهم، بينما يفشل آخرون بسبب عدم فهمهم لهذه التحولات، وبالتالي يعجزون عن توجيه أبنائهم في الاتجاه الإيجابي الذي يحتاجونه خلال هذه المرحلة.

ويؤكد نوايسة أن الإشكالية تكمن في الكبت النفسي، موضحا أن العواطف تمثل طاقة متدفقة يصعب السيطرة عليها، وكبتها يؤدي إلى نشوء حالة مرضية تؤثر سلبا على البناء النفسي والاجتماعي للفرد، وعلى قدرته على التكيف مع حياته ومع المجتمع المحيط به، كما تترك أثرا بعيد المدى على تكوين شخصيته.

وفقاً لذلك، نطلق صفات على الأشخاص مثل "انطوائي" أو "اجتماعي"، إذ إن طبيعة مرحلة المراهقة التي يمر بها الطفل هي التي تشكل شخصيته، سواء أصبحت انطوائية أو اجتماعية، وذلك بناء على كيفية التعامل معه. فالكبت يؤدي غالبا إلى سلوكيات سلبية، إذ سيعبر المراهق عن عواطفه بطرق غير صحية نتيجة عدم قدرته على التعبير عنها أو فهمها بشكل مناسب.

يوضح نوايسة أن العاطفة تشمل حب الأهل، والإخوة، والأصدقاء، وكل من يحيط بالمراهق، وليست مرتبطة فقط بالعلاقة بين الذكر والأنثى.

فالعواطف، بجميع أشكالها، هي جزء من شبكة العلاقات التي يعيشها الطفل ضمن مجتمعه وبيئته. وكبت هذه العواطف يؤثر سلبا على طبيعة المراهق ويسهم في تشكيل شخصيته بشكل غير صحي.

ويؤكد ضرورة أن يوفر الأهل لأبنائهم المراهقين شعورا بالاستقلالية والحرية، إلى جانب الأمان والاهتمام، لتمكينهم من التعبير عن عواطفهم وبناء شخصية قوية. مع أهمية أن يدرك الأهل التحولات التي يمر بها المراهق في هذه المرحلة، والحفاظ على ضوابط محددة، بحيث يراقبون من بعيد كيفية تفكيرهم وتصرفاتهم، ويقومون بتوجيههم بذكاء ودعم.

وينوه نوايسة إلى أن التدخلات من العائلة أو المعلمين يكون تأثيرها ضعيفا ومحدودا، بينما يكون التوجيه والرعاية والتربية أكثر فعالية في بناء شخصية المراهق. كما أن استخدام أسلوب الأوامر والنواهي قد يدفع المراهق إلى مخالفتها بدافع الفضول والرغبة في التجربة، إذ إن "كل ممنوع مرغوب".

اليوم، نترك المراهقين لأدوات تقنية ورقمية تشكل سلوكياتهم وتؤثر بقوة على حياتهم وتكوين شخصياتهم، حيث إن الانفتاح على العالم أسهم بشكل كبير في تشكيل هوياتهم. ويقول نوايسة: "كان الله في عون الأسر على تربية الأبناء وتوجيههم، لأن المؤثرات أصبحت كثيرة، وأهمها العامل التقني والرقمي".

ومن الجانب النفسي، يوضح الاختصاصي موسى مطارنة، أن المراهقة هي مرحلة نمائية، مثل بقية المراحل التي يمر بها الإنسان، وتتميز بتغيرات خاصة تؤثر على الفرد.

ويشرح مطارنة أن مرحلة الطفولة، التي تسبق المراهقة، تعد مرحلة هدوء واكتشاف، ينتقل منها الطفل إلى مرحلة المراهقة، وهي مرحلة نمو في إطار اجتماعي. في هذه المرحلة، يسعى المراهق للتخلص من الروابط الطفولية التي تجمعه بوالديه، حيث يبدأ في تحقيق الاستقلالية على مستوى شخصيته وأفكاره وسلوكه وجوانب حياته المختلفة.

من جهة أخرى، يشير مطارنة إلى أن المراهق يمر بتغيرات جسدية وسلوكية سريعة تضعه في حالة من عدم الإدراك الكامل، حيث يفتقر للوعي الكافي حول هذه المرحلة. ويبرز في هذه الفترة سلوكيات جديدة، مثل التحدي، وعدم الاستجابة للأسرة، العناد والتمرد، وكلها سلوكيات تظهر للمرة الأولى في محاولة من المراهق لإثبات ذاته كفرد بالغ، وأنه لم يعد طفلاً.

وينوه مطارنة إلى أهمية تفهم الأسرة لهذه المتطلبات النمائية للمراهق، والتعامل معه بناء على ذلك. وينصح بقبول شخصيته وآرائه، والحوار معه، ومنحه اهتماما، إضافة إلى إسناد بعض المسؤوليات والمهام له، ومدحه وتحفيزه إيجابيا، ومتابعة تطوره باستمرار.

المراهق غالبا لا يتقبل التوجيه المباشر، مما يتطلب من الأسرة بناء حوار مفتوح معه إذا أرادت فهمه والوصول إليه. يجب على الأسرة تقبل شخصيته واحترام آرائه بدلا من فرض توجيهات قد يرفضها. كذلك، من المهم أن تدرك الأسرة أن المراهق قد لا يستمع للأب والأم بقدر ما يستمع لأصدقائه، حيث يجد فيهم ملاذا للتعبير عن أفكاره ومشاعره.

وعليه، يتعين على العائلة الاهتمام بمعرفة أصدقائه، والتعامل معهم بانفتاح وتفاعل، مما يساعدها على فهم احتياجات ابنها المراهق بشكل أفضل.

ويؤكد مطارنة أن احتياجات المراهق واضحة، وأهمها الاهتمام، الحوار، التقبل، وإشعاره بأهميته ووجوده. كما يشدد على ضرورة التفاعل معه ومنحه مساحة كافية ليعبر عن نفسه ويعيش بطريقته، إضافة إلى تلبية احتياجاته العاطفية وتعزيزها من خلال التحفيز والاستماع والحوار المستمر.

ويحذر من أنه إذا لم تتقبل الأسرة المراهق ولم تتعامل معه بإيجابية ولم توفر له الحرية الكافية والمساحة للحوار، فقد ينعكس ذلك سلبا على سلوكه، مما قد يدفعه للعنف أو للقيام بتصرفات غير محسوبة بعيدا عن معرفة الأسرة.

ومواجهة المراهق بالعنف أو رفض شخصيته وأفكاره قد تدفعه نحو تصرفات خاطئة، مما يترك آثارا نفسية صعبة عليه. لذا، فإن توفير بيئة أسرية داعمة وملائمة أمر ضروري لتطور أفكاره ومعارفه وتقبل مشاعره، بما يلبي احتياجاته النمائية في هذه المرحلة الحساسة.