أخبار اليوم - لا يتوقف جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عن استهداف الصحفيين الفلسطينيين، خاصة أثناء ارتكاب الجرائم واجتياح مناطق مختلفة في قطاع غزة، محاولاً اغتيال الحقيقة والصورة واسكات الصوت وإيقاف الكلمة بهدف طمس معالم جرائمه ومجازره البشعة.
منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، يواجه الصحفيون في غزة مخاطر كبيرة ومحاربة مستمرة من قبل جيش الاحتلال، مما يشير لتأثيرهم الكبير في تعرية جيش الاحتلال أمام الرأي العام الدولي، متسلحين بعدالة قضيتهم ومظلومية شعبهم وحقيقة واضحة كالشمس، بتوثيق المجازر البشعة للأطفال والنساء وإبادة العائلات، فكانوا صوت وصورة شعبهم وحلقة الوصل مع العالم، هذه الحلقة التي يحاول الاحتلال استهدافها وقتلها.
بدأت حرب الاحتلال على الصحفيين منذ اليوم الأول للحرب نفسها، فاستشهد المصور محمد الصالحي أثناء تغطيته شرق غزة 7 أكتوبر، وبعدها بيومين استشهد الصحفيان سعيد الطويل وهشام النواجحة أثناء تغطيتهم لاستهداف الاحتلال برج "حجي" الواقع على شاطئ بحر مدينة غزة، ومحمد صبح.
وتصاعد الاستهداف ليدخل الاحتلال في مرحلة الاستهداف الجماعي للصحفيين كان آخرها استهداف مجموعة صحفيين أثناء تأدية واجبهم المهني في مدرسة أسماء "ب" في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ليرتفع عدد الصحفيين الشهداء إلى 182 صحفيا.
واستشهد في مجزرة الشاطئ رئيس قسم الإعلام الرقمي في قناة الأقصى سائد رضوان، والصحفي بموقع سراج ومؤسسات إعلامية أخرى حمزة أبو سلمية، والصحفية في مؤسسة القدس حنين بارود، والصحفية نادية عماد السيد وهي معدة ومقدمة برامج مع إذاعات ووسائل إعلام، والصحفي عبد الرحمن الطناني والذي عمل صحفيا في إذاعتي زمن وصوت الشعب.
وقبل استهدفت قوات الاحتلال الصحفيين الذين يغطون اقتحام جيش الاحتلال لجباليا، فاستشهد المصور محمد الطناني، وأصيب زميله تامر لبد وهما يعملان بفضائية الأقصى ، كما أصيب مصور الجزيرة فادي الوحيدي في رقبته تعرض على إثرها لشلل كامل، ويأتي ذلك بعد أيام من استشهاد الصحفي حسن حمد (19 عاما) في غارة استهدفت منزله بمخيم جباليا، مما رفع عدد الصحفيين الشهداء منذ بداية الحرب إلى 182صحفيًا.
ولم يسلم الصحفيون العاملون مع مؤسسات أجنبية من ملاحقة الاحتلال، ففي 30 سبتمبر/ أيلول 2024 استشهدت الصحفية وفاء العديني التي كانت تعد آخر تقاريرها باللغة الإنجليزية عن جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، والتي تعمل مراسلة لموقع "ميدل إيست أي" البريطاني.
اغتيال للصورة والفكرة
بمجرد اتصال الصحفي عبد الله أبو كميل بشبكة الانترنت، حتى قفز إليه اسم زميله وصديقه سائد رضوان ومجموعة من الصحفيين، وأفاق على صدمة جديدة يودع زميله.
يقول أبو كميل : إن "اغتيال سائد هو اغتيال للصورة وللفكرة، سائد من أوائل أصحاب البرامج الرقمية التي تحاكي مجاراة الزمن وكان يعمل وفق ايدلوجية حقيقية في ايصال الفكرة وتفصيل الحكاية، وباستشهاد الزميل سائد يحاول المُحتل ايقاف الكلمة واسكات الصوت، رغم كل البروتوكولات والقوانين التي تنص على حماية الصحفيين وقت النزاعات".
وعرف أبو كميل صديقه بأنه كان دمث الخلق، خفيف الظل، صاحب وعي ثقافي يرتكن عليه، كان دومًا يتطلع إلى ما هو جديد من تطوير وتحديث، كان اجمل ما يجعلك ترتبط به هو سرعة الاستجابة لاي احتياج قد تحتاجه
وبهذا الاستهداف الممنهج، ينتقل الاحتلال للاستهداف الجماعي للصحفيين في محاولة لقتل ما تبقى من الصحفيين في مدينة غزة وشمال القطاع، كما أجبر المئات منهم على النزوح قسرًا نحو جنوب القطاع، وفق ما رأى الصحفي أسامة لبد.
يقول لبد : إنه "وضمن مخطط الاحتلال الإجرامي بحق شمال قطاع غزة يسعى لتفريغه من صحفييه والعاملين في مجال الإعلام الذين ثبتوا ونقلوا معاناة شعبهم وجرائم المحتل، وهذا الاستهداف يأتي بعد أيام من تهديد الاحتلال لنخبة إعلامية بشمال القطاع"، مؤكدًا، أن ذلك مخطط ينفذه الاحتلال وجريمة متكاملة الأركان في سبيل الاستفراد بالشمال وارتكاب جرائمه في جنح الظلام.
وأضاف بأن "غزة ودعت كوكبة وأقمارا منيرة في عالم الصحافة الفلسطينية والعربية، وهي نخبة إعلامية لم تكل ولم تمل منذ بداية الحرب المستمرة على غزة، وكان لهم الدور الكبير في إبراز معاناة أهل الشمال، ونقل الألم والمجاعة التي تعرضوا لها والقصف وجرائم الاحتلال".
ولفت إلى أن الإعلاميين صمدوا في شمال القطاع ونزحوا وعاشوا الجوع ونجوا أكثر من مرة في القصف المتعمد للصحفيين خاصة المتواجدين في الشمال في ظل الاجتياح العسكري لشمال القطاع.
وأكد "هؤلاء كان لهم دور كبير في انتاج المواد الإعلامية والتصاميم والفيديوهات التي روجت ونشرت على مستوى عالمي ودولي وكان لها أثر في استجلاب التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني وكانوا صوت المواطن يعيشون بينهم في مراكز الإيواء، وينقلون الألم والأمل ويتحسسون معاناتهم ويحولوها من نصوص مجردة إلى قصص إنسانية".
طمس الحقيقة
ويعتقد أن الاحتلال يريد طمس الحقيقة وارتكاب مجازر دون وجود صورة أو قلم يوثق، مشيرا إلى أن الاحتلال استهدف الصحفيين داخل مدرسة مكتظة بالنازحين أثناء عملهم في غرفة مخصصة لعملهم الصحفي، ولا يملكون سوى الصورة والقلم وحواسيبهم، وبرامجهم التي يعملون بها وكانوا هدفا لطائرات الاحتلال.
ويوضح لبد الذي تواجد بالمكان بأن "حجم الدمار يشير لحقد الاحتلال على الصحفيين، بعد هدم المبنى على رؤوسهم بشكل كامل، حتى أن الزميل الصحفي حمزة أبو سلمية تعرفنا عليه بعد ساعات إثر تناثر أشلائه، والصحفية حنين بارود استمرينا في البحث عنها خمس ساعات حتى وجدناها من شدة القصف والضربة في مكان بعيد عن المكان المستهدف".
كما لكل شهيد صحفي حكاية كسائر شهداء غزة، لدى الشهداء الخمسة حكايات مختلفة، فسائد رضوان يعرف بخبرته الواسعة في الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي وهو مدرب بهذا المجال، أما الشاب حمزة أبو سلمية لديه مهارات عالية في المونتاج وقبل عام تزوج ورزق بطفلة اسمها "ماريا" كل صباح يودع طفلته ويأتي لعمله.
أما حنين بارود التي ودعت أربعة من أشقائها ووالدها مفقود فلم يمنعها الفقد من ممارسة عملها الإعلامي لتلتحق بهم، بينما كانت نادية السيد التي تمتاز بالإبداع تحضر أطفالها للمدرسة ليلعبوا إلى أن تنتهي من عملها لترحل وتتركهم بلا أم، كانت حنين تتنقل بين زقاق مخيم الشاطئ المدمر والمكتظ بالنازحين وتنقلها نادية إلى العالم.
ويحاول الاحتلال الإسرائيلي بالاستهداف المستمر للصحفيين وفق مدير مكتب الإعلامي الحكومي بمدينة غزة إسماعيل الثوابتة إبادة الإعلام الفلسطيني بعدما دمر كل المؤسسات الإعلامية ونسف الأبراج التي تحتوي على أجهزة إرسال إذاعي وفضائي، بهدف القضاء على وسائل الإعلام الفلسطينية.
وأكد الثوابتة بأن جيش الاحتلال يهدف لاغتيال الصحفيين لتخويف الصحفيين وثنيهم عن الاستمرار بأداء رسالتهم ومحاولة لإخراس الكلمة والصوت والفيديو، وإغلاق الباب أمام عدم فضح جرائم الاحتلال، ومنع تصدير الرواية الفلسطينية للعالم، وكذلك الانتقام من الصحفيين الذين نجحوا في كشف السردية الإسرائيلية الكاذبة.
كما أكد أن الصحفي الفلسطيني استطاع رسم صورة الحقيقة، وهذا ما عكسه خروج تظاهرات طلابية وشعبية كبيرة في جامعات أمريكية وأوربية تناهض بجرائم الاحتلال، بعدما ساهمت الصورة الصحفية في فضح جرائم الاحتلال والتي يتفاعل معها قطاعات كبيرة من الرأي العام الدولي بينهم رؤساء دول.
فلسطين أون لاين