أخبار اليوم - في وسط الدمار والركام، وعلى أصوات القصف الذي لم يهدأ، يعيش معاذ سعيد أبو هويشل، الطفل البالغ من العمر 12 عامًا، تفاصيل حكاية ألم وصمود، من سكان مخيم البريج في قطاع غزة، كان يحظى بحياة عائلية دافئة مع أسرته، لكن في يوم قاسٍ، تغير كل شيء.
في الثالث عشر من أكتوبر العام الماضي، وفي إحدى الغارات العنيفة، قصفت طائرات الاحتلال بيت أبو هويشل، فانهارت جدرانه وسقط السقف على رؤوس ساكنيه، فاستشهد جميع أفراد عائلته السبعة، ليكون معاذ الناجي الوحيد من هذا الدمار.
تقول جدته أم رائد هويشل: "لقد كان يومًا مأساويًا، استشهد 35 من أفراد عائلي وجرح أضعافهم، فقد كان البيت ممتلئ والنازحين والهاربين من الموت إلى الموت، ليعيشوا يومًا أشبه بيوم القيامة من هول ما حدث".
نقطة تحول
أما معاذ الذي علق في الطابق الثالث بين الحجارة والركام، وكان يصرخ بأعلى صوته "عمو.. عمو" طالبًا المساعدة من الذين قدموا لإسعاف المصابين، محاولًا النجاة من الكابوس الذي يعيشه.
تلك اللحظات شعر فيها وكأنها ساعات طويلة تحت الأنقاض، لا يسمع سوى صوت قلبه الخائف وصدى الهدوء الثقيل بعد القصف، بفضل الله، تمكنت فرق الإنقاذ من العثور عليه وانتشاله.
يقول معاذ: "لقد كان هذا الحدث نقطة تحول في حياتي، أصبحت يتيمًا، فاقد لعائلتي، ممتلئ بذكريات لا تفارقني"، عدا عن الأوجاع التي خرج بها تهتك في الحوض، وكسر في الجمجمة، وإحدى يديه.
بات معاذ يعيش مع جدته التي تتولى رعايته، حياته صعبة ومليئة بالتحديات خاصة في ظل استمرار الحرب منذ أكثر من عام، لكنه يواصل الحياة رغم كل الألم.
وبين الحين والآخر، يتذكر تفاصيل صغيرة عن أفراد أسرته الذين فقدهم رغم مرور عام على استشهادهم، خاصة عندما يرى أو يسمع شيئًا يذكره بهم، في جلسته يتذكر والده، وعند طهي جدته الطعام يتذكر كيف كانت والدته تصنع له طبقاً شهيًا، ولعبه مع أشقائه ومشاجرته معهم.
وتضيف جدته أم رائد: "يوماً تلو الآخر النار في قلبي تزيد وتشتعل على فراق فلذة كبدي سعيد، خاصة للأمانة الثقيلة التي تركها في عنقي، فأتطلع في عينيه وأبكي كوني لا أستطيع تعويضه عما فقده، واعمل جاهدة لتوفير الأمان والاستقرار له، رغم الفقر والظروف القاسية التي نعيشها، وأحاول إعادته إلى حياته الطبيعية فآثار المأساة لا تزال محفورة في قلبه".
وتصف سعيد بـ"الحنون" ليس فقط على أبنائه بل بتعامله مع الجميع، لا يرفض لأحد طلب لأجل إرضاء غيره، "قد ما احكي عنه لن أوفي حقه، ربي يرضى عليه رضا ربي ورضا قلبي، تتهنى بشهادتك يما ويتقبلك مع الشهداء والصديقين".
ورغم كل ما مر به معاذ ويمر بحياة خالية من عائلته، لم يفقد معاذ إيمانه، وبجانب حياته الصعبة، يحفظ الطفل القرآن الكريم منفذا بذلك وصية والده، كلما تلى آية يشعر بأن هناك نورًا ينير قلبه، يعينه على تجاوز آلام الفقد.
فمعاذ ليس مجرد حالة نجت من تحت الأنقاض، فيعيش معاناة كثيرين من أطفال غزة الذين يواجهون الحرب ببرائتهم، ولا يزالون يحلمون بغدٍ أفضل.