أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
مُخطئ مَن يعتقد أنَّ قمة بريكس هو اجتماع سياسي بين القادة، ينتهي ببيان قمة أو مؤتمرات صحفية. اجتماعات قادة دول بريكس بعد يومين يأتي تتويجاً لمخرجات عمل لجان نوعية وفنية سابقة على لقاء القادة، وداعمة لمجموعات عمل مقبلة. المتابع لهذه المجموعة يجد أنها تقوم بكثير من العمل قبل لقاء القمّة السنوي بين قادة الدول الأعضاء. وتتكوَّن تلك الاجتماعات من مجموعات عمل، ومؤتمرات، ومجالس مشتركة، ولجان فنية، ولقاءات مختصين. وتتنوَّع النقاشات بين هذه اللقاءات لتشمل، على سبيل المثال لا الحصر، لقاءات مجالس الأعمال المشتركة، ومجموعة عمل المشاريع الجديدة، ولجان المناخ والبيئة، ولقاءات تتعلَّق بالملكية الفكرية، ولجان مكافحة غسل الأموال والإرهاب، ومجموعات عمل تتعلَّق بالتعاون بين البنوك، ولجاناً فنية لوضع أُسس التسويات المالية والبنكية بين دول المجموعة، ولقاءات مجالات تعاون وعمل البنوك المركزية، ولجان عمل الذكاء الاصطناعي والتطورات التقنية. في إطار ذلك كله تصبح هذه المجموعة، بتجرُّد شديد، مستقبل التحوُّلات العالمية في القوى الاقتصادية العُظمى؛ فهي لن تقود النمو الاقتصادي في العالم فحسب، وإنما ستشكِّل في القريب العاجل الكتلة الاقتصادية الأكبر عالمياً. هذه المجموعة التي تُشكِّل اليوم نحو ثلث الاقتصاد العالمي ومعظم التجارة الدولية، ستشكِّل الكتلة الحرجة للاقتصاد العالمي، في ظل انشغال الكتل الحالية في أوروبا وأمريكا الشمالية بالقضايا السياسية والعسكرية، وحتى بالتدخلات الاقتصادية السلبية، من مقاطعة وعقوبات، أكثر من تركيزها على التطورات الإيجابية عالمياً. بيد أنَّ ما سيشكِّل التحوُّل الأكبر عالمياً، وخلال عقدٍ من الزمن، على أقصى تقدير، هو التحولات التي بدأتها تلك الكتلة في مجال نظام التسويات المالية العالمية، والتجهيز لإطلاق عُملة دولية موحَّدة بينها، والسعي نحو الانسلاخ تدريجياً عن نظام التسويات بالدولار، عبر نظام سوفت، وعبر المرور بغرفة المقاصة العالمية في نيويورك. وقد أعلن الرئيس الروسي، الذي يترأس القمة المقبلة، التي تُعقَد في مدينة قازان في روسيا، أنَّ أهمَّ التوجُّهات المقبلة هو بدء العمل الجاد على نظام التسويات المالية العالمي الجديد بين دول المجموعة، بعيداً عن هيمنة الدولار التي باتت مُسيّسة بشكل كبير من خلال العقوبات، والقوائم السلبية للدول والأفراد، وبات أفول عصره مسألة وقت قد لا يتجاوز العقد من الزمان،. الشاهد ممّا سبق، أنَّ دول المنطقة العربية شريك تجاري كبير لدول مجموعة بريكس، سلعاً وخدمات، وأنَّ أهم دول المنطقة، مثل السعودية، والإمارات، ومصر، والجزائر باتوا أعضاءً في هذه المجموعة، وهو ما يتطلَّب التفكير جدياً، من جميع دول المنطقة، بالتجَهُّز لتطبيق والانخراط في تبنّي تلك الآلية الجديدة، حتى إن كانت باقي الدول، لأسباب سياسية أو غير سياسية، لا ترغب في الانضمام إلى هذه المجموعة الحيوية المحورية المهمة.