كل بيت تحته ذهب مرصود.. بين الوهم والحقيقة
أخبار اليوم - عواد الفالح - في الأوساط الشعبية الأردنية، يتناقل الكثيرون فكرة أن كل بيت أو منطقة قد تحتوي على دفائن ذهبية مرصودة تركتها الحضارات القديمة. هذه الفكرة ليست مجرد خرافة بالنسبة للشباب الباحثين عن الثراء السريع، بل أصبحت هوسًا يدفعهم لخوض مغامرات مكلفة ومجهدة. مازن، شاب من الزرقاء، يقول: "كل مكان له قصة، وكل منطقة فيها كنز، وما نحتاجه هو العثور عليه وفك الرصد."
بخور ودجالون ومحلات العطارة.. مفتاح البحث عن الكنوز؟
مع انتشار هذا الهوس بالدفائن، أصبحت محلات العطارة جزءًا من هذه الرحلة الغامضة. حيث تباع أنواع مختلفة من البخور الذي يعتقد الباحثون أنه يساعد على فك "الرصد" – القوى الغامضة التي يُقال إنها تحرس الكنوز. أبو عمار، صاحب محل عطارة في عمان، يقول: "يأتيني الشباب بشكل يومي يسألون عن بخور معين لفك الرصد. هناك طلب كبير على هذه المواد."
إلى جانب ذلك، لا يكتمل البحث عن الكنوز دون الاستعانة ببعض "الشيوخ" أو الدجالين الذين يدّعون أنهم يمتلكون القدرة على تحديد مواقع الكنوز وفك رموزها. محمود، أحد الباحثين عن الدفائن، يقول: "الشيوخ يعطوننا تعليمات عن نوع البخور الذي نستخدمه وأماكن الحفر. نتبع ما يقولونه حتى لو كان يبدو غريبًا، لأنهم يزعمون أنهم قادرون على التعامل مع الأرواح الحارسة."
أجهزة الكشف عن المعادن.. التقنية تلتقي الخرافة
على الرغم من الخرافات التي تحيط بعملية البحث عن الدفائن، إلا أن التكنولوجيا الحديثة دخلت على الخط. العديد من الشباب يلجؤون إلى استخدام أجهزة متطورة للكشف عن المعادن، ظنًا منهم أنها ستساعدهم على العثور على الكنوز المخفية. عمر، شاب من معان، يقول: "اشترينا جهاز كشف معادن باهظ الثمن على أمل أن يساعدنا على العثور على الذهب. لكن الحقيقة هي أن معظم هذه الأجهزة لم تعطِ أي نتائج ملموسة حتى الآن."
في بعض الأحيان، تتجاوز تكلفة شراء هذه الأجهزة الآلاف من الدنانير، ومع ذلك يستمر الكثير من الباحثين في استخدامها، مقتنعين بأنها ستساعدهم على تحقيق حلم الثراء.
تكاليف البحث الباهظة.. هل يستحق الأمر؟
البحث عن الكنوز ليس مجرد مغامرة بسيطة؛ إنها عملية مكلفة للغاية من الناحية المادية والجسدية. شراء أدوات الحفر، وأجور الدجالين، واستخدام البخور، واستئجار المعدات الثقيلة في بعض الأحيان، كلها تتطلب مبالغ كبيرة. عمر، شاب من معان، يقول: "أنفقنا مبالغ طائلة على هذا الحلم، وبعض الأصدقاء باعوا ممتلكاتهم، كل ذلك على أمل أن نجد الذهب، ونصبح أغنياء في يوم وليلة."
قصص الاغتناء المفاجئ.. بين الحقيقة والمبالغة
العديد من القصص التي يتداولها الشباب في الأوساط الشعبية تدور حول أشخاص يُطلق عليهم "البحيشة"، وهم الذين يزعمون أنهم عثروا على كنوز دفينة، وحققوا ثراء مفاجئًا. أحد هذه القصص تتعلق بـسالم، الذي يقال إنه وجد صندوقًا مليئًا بالعملات الذهبية القديمة في منطقة جبلية نائية. بعد العثور على الكنز، وفقًا للروايات، انتقل سالم للعيش في المدينة، واشترى منازل فاخرة وسيارات حديثة.
ما هي الأسباب التي تدفع الشباب لمثل هذه الخرافات؟
أسباب انجذاب الشباب إلى هذه المغامرات لا تقتصر فقط على الطموح المادي، بل تتجاوز ذلك إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الشباب في الأردن. الفقر والبطالة والبحث عن فرص اقتصادية سريعة وبديلة تجعل من حلم العثور على دفائن ذهبية جاذبًا. خالد، خريج جامعي عاطل عن العمل، يقول: "لا توجد فرص عمل كافية، والظروف الاقتصادية صعبة جدًا. البحث عن الكنز أصبح خيارًا بالنسبة للبعض كوسيلة للهروب من الفقر."
وهم الثراء السريع واستمرار الخرافة
يبقى البحث عن الدفائن في الأردن حلمًا مشتركًا بين العديد من الشباب الذين يرون في هذا الطريق مخرجًا من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيستمر هؤلاء في ملاحقة هذا الوهم؟ أمجد، الذي شارك في العديد من عمليات البحث، يقول: "بدأنا ندرك أن الأمر ليس كما يبدو، ولكن ما زال الأمل موجودًا في العثور على شيء، حتى لو كان ذلك يتطلب سنوات من المحاولة."