أخبار اليوم - تفتح قضية إنهاء عقود 400 عامل من جباة شركة الكهرباء، ملف التعديلات الجديدة على قانون العمل التي سمحت للشركات بمثل هذا الفصل، ما يعني تقليص الحماية عن العمال، في وقت يعاني فيه الشباب من تحدي ارتفاع معدلات البطالة.
يأتي ذلك في وقت يرى فيه خبراء في مجال العمل أنه كان يفترض بالتشريعات أن توجد حالة من التوازن بين طرفي الإنتاج (أصحاب العمل والعمال)، غير أن هناك تغييبا لأنظمة الحماية وحقوق العمال، بحسب تصريحات منفصلة لهم لـ"الغد".
وفي هذا السياق، يقول رئيس بيت العمال، حمادة أبو نجمة، إن سوق العمل في الأردن يواجه، كما العديد من الدول، تحديات تتعلق بالتغيرات التقنية والتطورات الاقتصادية التي تؤدي أحيانا إلى إنهاء خدمات فئات من العمال، كما حدث مؤخرا مع الجباة العاملين لدى شركة الكهرباء، وهذه التغيرات تبرز الحاجة إلى وجود أنظمة حماية أكثر فعالية لحماية حقوق العمال في مثل هذه الظروف.
وأضاف أبو نجمة إنه بشكل عام، لا يمكن القول إن سبل الحماية مفقودة تماما في تشريعاتنا، لكنها بالتأكيد بحاجة إلى تعزيز وتحديث لمواكبة التطورات السريعة في سوق العمل، فقانون العمل يوفر بعض الحماية للعمال، مثل التعرض لإنهاء الخدمات غير المبرر، لكن هذه التشريعات قد لا تكون كافية في مواجهة التحديات الجديدة، على غرار التغيرات التكنولوجية التي تدفع إلى الاستغناء عن وظائف معينة.
وأوضح: "على سبيل المثال، قانون العمل يرتب للعمال التعويض عن إنهاء الخدمة دون سبب قانوني أو الإعادة للعمل، لكن الحاجة الملحة تكمن في توفير أنظمة أكثر مرونة وتنوعا تضمن استدامة فرص العمل وإعادة تأهيل العمال المتأثرين بالتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية".
وبين أن هذا الأمر يتطلب أن تكون هناك سياسات محددة تهدف إلى إعادة تأهيل العمال الذين قد يتأثرون بفقدان وظائفهم بسبب التطورات التكنولوجية، وهذا يحتاج إلى برامج تدريب تؤهلهم للعمل في مجالات جديدة تتناسب مع احتياجات سوق العمل المستقبلية، كما يتطلب الأمر تعزيز التشريعات وتطويرها لتوفير حماية أكبر للعمال في حالة إنهاء خدماتهم بشكل غير متوقع، ومن ذلك إضافة نصوص تلزم الشركات بتقديم دعم مالي أو برامج تدريبية للعمال المتأثرين وإعادة تأهيلهم ونقلهم إلى وظائف أخرى مناسبة لهم، قبل إنهاء عقودهم.
وأكد وجوب تفعيل أدوات الحوار المستمر بين الحكومة والنقابات العمالية وأصحاب العمل في هذا الموضوع؛ لضمان اتخاذ قرارات توافقية تحفظ حقوق جميع الأطراف، وتقلل من تأثيرات البطالة.
وقال أبو نجمة: "هنا نذكّر بالتعديلات المقترحة على قانون العمل التي أعدتها الحكومة السابقة، والتي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على استقرار سوق العمل وحقوق العمال، والتي تتضمن نصوصا تسمح لأصحاب العمل بإنهاء خدمات العاملين لديهم دون قيود أو رقابة، ما قد يفتح الباب أمام التعسف في استخدام هذا الحق، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للأمن المجتمعي، ويؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة."
ولفت إلى أن إطلاق يد صاحب العمل في إنهاء عقود العمل بهذه السهولة يمكن أن يعمق معاناة العمال ويدفعهم للتنازل عن العديد من حقوقهم الأساسية تحت ضغوطات الخوف من فقدان وظائفهم، كما أن هذه التعديلات ستتسبب في تراجع مجمل الحمايات العمالية التي تم اكتسابها على مر السنين، وتساهم في خلق بيئة عمل غير مستقرة وغير آمنة وغير عادلة.
وشدد على أن هذا ما يوجب على الحكومة الجديدة العودة عن هذه التعديلات، والنظر إلى قانون العمل بنظرة تضمن وضع ضوابط تحمي العمال من التعسف، وتجنب أي آثار سلبية لذلك على الأمن المجتمعي وعلى معدلات البطالة.
بدوره، يبين مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض إن ما حدث مع جباة في شركة الكهرباء الذين تم الاستغناء عنهم على نحو سريع، لا يمثل سابقة أولى، محذرا من هذا النوع من عقود العمل.
وبين أن عمالا في شركات كبرى في الأردن كانوا وعبر عقود طويلة يتمكنون من الحصول، عبر مبادراتهم النقابية، على منافع وشروط عمل ممتازة، لكن "للأسف فبعض هذه الشركات أصبحت اليوم تحتال على القانون، ولم تعد تعين العمال، بل تلجأ للتعاقد مع شركات تمارس بتلك المهمات من خلال تعديلات قانون العمل."
ورأى عوض أن سبل الحماية في الأردن "ضعيفة جدا، والصيغة التشريعية لقانون العمل الحالي غير كافية لحماية العمال."
ولفت إلى ما جرى من تعديلات لقانون العمل الأخيرة في المواد المتعلقة بالفصل التعسفي والاستغناء عن خدمات العاملين، وهذا من شأنه أن يضعف حماية العمال في سوق العمل.
ولفت إلى أن شروط العمل سابقا كانت سابقا أفضل بكثير، وهذا ما يعبر عن توجهات اقتصادية تستند إلى خيارات تنحاز لصالح فئة من المجتمع ضد الغالبية الساحقة من المواطنين.
أما الناشط في مجال حقوق العمال، حاتم قطيش، فقال: "يفترض بالتشريعات أن تخلق حالة من التوازن بين طرفي الإنتاج (أصحاب العمل والعمال)، بحيث لا يتعسف طرف باستخدام القانون لإلحاق الضرر بالطرف الآخر، ولا شك أن أكبر تحد يواجه الشباب في الأردن هو تحدي البطالة، والذي يقع على كاهل القطاع الخاص تحمل مسؤولياته تجاه هذا الملف، والمساهمة في تقليص البطالة لا توسيعها."
وبين قطيش أنه "قبل أشهر كنا نطالب بتشديد شروط إنهاء الخدمات في قانون العمل للحد من ظاهرة التقاعد المبكر، لنفاجأ بمشروع قانون معدل لقانون العمل يحمل في طياته تخفيف قيود الفصل التعسفي، من خلال تحييد القضاء عن النظر فيه، بالإضافة إلى نقل اختصاص الفصل التعسفي وإنهاء العقود إلى لجنة تشكلها الحكومة، ونظام خاص يصدر لهذه الغاية؛ وفي هذه التعديلات بالذات مخاطر حقيقية من توسع أصحاب العمل في إنهاء عقود العمل والفصل التعسفي للعمال في المستقبل."
وقال إن "قضية إنهاء خدمات عمال في قطاع الكهرباء في هذا الوقت بالتحديد تبرهن بشكل قاطع أن التخوفات بخصوص تعديلات قانون العمل هي تخوفات حقيقية، وإن أي تراجع في التشريعات الناظمة لسوق العمل سينتج عنه بالضرورة ارتفاع في أرقام البطالة والفقر، ناهيك عن المخاطر الحقيقية التي ستلحق بمؤسسة الضمان الاجتماعي من خلال تقليل واردات المؤسسة في حال خروج العمال من سوق العمل، بالإضافة إلى مضاعفة فاتورة التقاعد المبكر، مما يبعثر كافة الدراسات الإكتوارية ويهدد باستدامة هذه المؤسسة الوطنية."
وأشار قطيش إلى "الانعكاسات السلبية للتعديلات التي تمت على قانون العمل في السنوات القليلة الماضية، مثل حرمان ممثلي العمال من المفاوضة الجماعية، ومن فتح نزاع عمالي في وزارة العمل، وإبرام عقود جماعية، وحصر ذلك بالنقابات العمالية الرسمية التي اعتادت على تشكيل هيئاتها الإدارية عن طريق التزكية.. كل ذلك جعل هذه النقابات ضعيفة في إقناع العمال بالانتساب إليها، وفي تمثيل وحماية هؤلاء العمال من خلال الأدوات النقابية التي يتيحها قانون العمل."
وطالب بتفعيل النقابات العمالية ومنح العمال حق اختيار ممثليهم بحرية وشفافية، والضغط من أجل فتح قانون العمل على مصراعيه، وإطلاق حوار اجتماعي حقيقي يتمخض عنه قانون عمل عصري؛ لضمان استمرارية عجلة الإنتاج، وتأمين الحماية اللازمة للعمال، وترسيخ حرية التنظيم النقابي لتعزيز قوة العمال والنقابات العمالية.
الغد