د.صبري الربيحات
بالامس كنت متشوقا لالتقي بالصديق طالب الرفاعي فرتبنا ان ازوره ونلتقي باصدقاء اعزاء كنا نؤكد في كل مرة على اهمية ان نلتقي بهم فلم تسعف ايا منا الظروف على الانتقال من التأكيد للفعل . ما ان جلسنا حول طاولة الطعام حتى خطر ببالي عنوان لرواية " الوليمة ".
حقيقة الامر اني لم اتذكر لحظتها اسم الكاتب فقد خذلتني الذاكرة لكن في راسي شيئا عن فكرة الرواية وشيئا عن مضمونها . بمعاونة جوجل عرفت انها من اعمال الكاتب السعودي اسامة المسلم الذي انتج عدد من الاعمال والكتب المهمة .
تسألت للحظات عن الملاحظات التي اثارة ذاكرتي ودفعتني لاستدعي اسم الرواية فتذكرت لاحقا انه حجم الرضا والتصالح والانسجام بين الجلاس وتناغمهم .فالرواية تتحدث عن التشابك والتداخل بين علاقتي هما الأخوة والصداقة..فالتمازج بينهما يرفع العلاقة ويرقى بها لتصبح في أفضل تجلياتها. وهو ما شاهدته بالامس واستعنت بمخزوني المعرفي الثقافي للتعبير عنه فجاءت فكرة الرواية كاصدق تعبير عن الحالة
طالب الرفاعي وابان عمله كاستاذ في الجامعة الاردنية كان صديقا حميما لي نتزاور ونلتقي ونتحدث في الثقافة والفن والحياة . حقيقة الامر اني اصطحبته الى قطعة الارض التي اقمت عليها مزرعتي وبيتي الريفي في عام ١٩٩١ وطلبت منه ان يقترح لي تصميما يناسب موازنتي فرسه لي الشكل الذي بني بموجبه البيت الذي أشرفت على وضع كل حجرة في جدرانه . كنا نلتقي مرارا في اوائل التسعينات واستمرت اللقاءات حتى بعد ان غادر الاردن ليلتحق بعمله الدولي في بيروت وعاودنا التواصل بكثافة اكثر بعد عودته لعمان واستقراره النسبي في الاردن .
في عالم الصداقات هناك من يحاول ان يمطرك بالاحلام وهناك من تعجبك نظرته للكون والإنسانية . وفئة قد لا تعجبك مجالستها لكنك تضطر لذلك . أما طالب فانك تشتاق لرؤيته للكون فيحرضك من دون أن تعي على تأمل جمال الانسانية .فهي تتبدى في ابتساماته وحضوره وتعليقاته على ما يقال. طالب شخص خال من التعصب ومحب للناس منحاز للغلابا ولا يقبل السكوت على ظلم .
تشعر وانت معه كأنك تجالس ميخائيل نعيمة او تشاهد تجسيد للقيم الانسانية التي عرضها جبران خليل جبران دون أن يقول الشعر او ينحت جملا تصلح للاقتباس . زاد في طيب اللقاء ان انظم الينا الاصدقاء استاذ الاعلام وخبير الامم المتحدة الاسبق الدكتور زياد الرفاعي والسفيرين السابقينةفي الخارجية الاردنية الاستاذ وليد الرفاعي والدكتور عمر الرفاعي .
فالصديق السفير السابق الدكتور عمر الرفاعي ليس اكاديميا وصاحب حضور ونكته ودبلوماسي يعرف خريطة الفكر والمذاهب والاتجاهات فحسب بل هو سياسي اب عن جد فوالده دولة الاستاذ السياسي والشاعر عبدالمنعم الرفاعي ولم ينقطع يوما عن العمل الفكري والسياسي وله علاقات واسعة في معاهد ومؤسسات فكرية وبحثية واعلامية قريبا من سمو الأمير الحسن وفي دوائر الفكر والمنتديات .في الحوار مع سعادة السفير تكثر الأسماء والاحداث والعناوين فينتقل بك بسلاسة من السياسة الى الفن ومن الفكر الى التاريخ وتشعر بأنك مع شخص شاهد باعينه كل ما يمكن ان تعرفت عليه بالقراءة.
العلاقة بين زياد ووليد وعمر وطالب علاقة فيها من روابط الصداقة ما قد يجعلها اخوة مركزة فهم يتحدثون في كل شي بحب وحرية وانفتاح ويجدون في ذوات بعضهم مساحات واسعة لاستيعاب التنوع في الفكر والنظرة والاتجاه ..في كل مرة اقابل هذا الرباعي الجميل اشعر بشيء إضافي من جماليات الحياة . فالاميال التي ابعدت الأشقاء الثلاثة وابن عمهم الذي يشبههم لم تفلح في جعلها حاجزا يضعف هذا الرباط القوي الذي يشعرك وأنهم مندمجون في ديناميكية يشكل كل واحد منهم ركنا اساسيا لدورانها.
خلال الساعات التي امضيناها بالامس تأملت كيف يفضي التنوع الى التكامل ففي الاستعراض التفصيلي الذي يقدمه زياد لملاحظاته اليومية اثارة تجعلك تسأل نفسك لما لم الاحظ تلك التي الحالة التي التفت اليها زياد واشغلته لساعات وصرف معها نظرنا من الحديث الجدي الصاخب والخلافات الى ملاحظة تبدو مايكروسكوبية الا أنها أغنى واقرب للفهم من كل التعميمات التي استولت على البابنا .
بنفس الدقة والعمق تشكل ذاكرة السفير وليد ارشيفا غنيا للأحداث والأشخاص فلا يمكن ان تمر على حادثة او مناسبة او اسم شخصية الا ووليد على معرفة ودراية بها فهو يملك قدرة استثنائية على الاستدعاء والمقارنة والربط.
على خلاف الكثير ممن اعرفهم يستقبل طالب الدنيا بابتسامة تفاؤل ويصر على ان يهلي بضيفه من الملفى الى الممشى . يستمع الى كل كلمة تقال ولديه حس عميق بالعدل ولا يكترث اذا كان ما سيقول قد يعارض إجماع الحاضرين او يلقى استحسانهم ...
حول طالب ومعه على الدوام سيدة تستحق ان تكون أستاذة لتعليمنا جميعا الوفاء والعطاء والروية فقد كانت السيدة نسرين رفيقة طالب التي طافت معه في جنبات الارض وهو يعمل على تمرين اواصر العلاقات بين شعوب وامم الارض ابان عمله كامين عام لأنظمة السياحة العالمية وها هي اليوم صديقته التي تشاركه الفرح والتأمل وتعاهده على تقاسم الأيام بصبر و حب .
تحية لطالب وزياد وعمر ووليد والشكر على الساعات الممتعة التي قضيناها نتجاذب أطراف الحديث المتنوع وسط ضحكات عفوية وتعليقات طارئة لا تعرف الاستئذان.