هربا من الإبادة .. “طريق الموت” أمل الفلسطينيين الأخير شمال غزة

mainThumb
هربا من الإبادة.. “طريق الموت” أمل الفلسطينيين الأخير شمال غزة

10-10-2024 01:53 PM

printIcon

أخبار اليوم - بعد تردد كبير، قرر الشاب يوسف أبو هزاع (24 عاما) من حي “تل الزعتر” شمال شرق مخيم جباليا للاجئين، المجازفة والنزوح إلى مدينة غزة هربا من الحصار الإسرائيلي وجحيم غاراته التي تطال المدنيين.

وتعد عملية الخروج من منطقة جباليا عبر طريق “دوار أبو شرخ” المؤدي لمدينة غزة، مجازفة محفوفة بالموت، حيث تحاصره قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عدة أيام وتطلق نيرانها صوب أي فلسطيني يحاول اجتيازه.

وتمسك أبو هزاع بقراره رغم إحساسه المسبق أنه لن يصل غزة للالتحاق بعائلته التي نزحت الأحد الماضي، إلا مصابا باستهداف إسرائيلي.

وفي محاولته للعبور، أطلق الشاب ساقيه للريح وركض مسرعا لتجاوز “دوار أبو شرخ” لكن طائرة إسرائيلية مُسيرة باغتته بإطلاق النيران صوب قدمه.

لم يستسلم أبو هزاع لهذه الإصابة إذ واصل مسيره إلى أن بلغ منطقة غير مكشوفة وهناك نقله بعض الشبان إلى سيارة إسعاف تبعد حوالي 100 متر عن مكان تواجده.

ويقول أبو هزاع، الذي نقل للمستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة: “كنت أعلم أني سأصاب برصاص أو قذائف الجيش خلال قطع ذلك الطريق، لكن قررت المجازفة على البقاء داخل مخيم جباليا محاصراً”.

مشاهد أثناء العبور
وخلال محاولته للمرور عبر “دوار أبو شرخ”، قال أبو هزاع إنه شاهد جثامين لفلسطينيين استشهدوا على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتابع في وصفه للمشهد، أيضا “كان هناك عدد من المصابين الذين لم تتمكن طواقم الإسعاف من الوصول إليهم”.

وأوضح أن معظم الفلسطينيين الذين حاولوا تجاوز هذا الطريق “تعرضوا للإصابة أو القتل”، مضيفا: “من ينجو من الاستهداف قلة.. إسرائيل تحاول تنفيذ تطهير عرقي بحق الفلسطينيين”.

وأفاد شهود عيان أن عددا من المصابين في مخيم جباليا ومحيطه ماتوا نتيجة عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن إنقاذهم جراء الاستهداف الإسرائيلي، فبقوا في أماكنهم ينزفون حتى فارقوا الحياة.

ومنذ بدء عمليته العسكرية الأحد، حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي إطباق الحصار على منطقة جباليا شمالي قطاع غزة ومنع الأهالي من النزوح إلى مدينة غزة، وأمرهم بالنزوح فقط عبر شارع “صلاح الدين” الواقع شرقي قطاع غزة إلى المناطق الجنوبية، وهو ما لم يستجب له إلا بعض الأهالي حتى هذا الوقت.

وبالتزامن صعد جيش الاحتلال الإسرائيلي من أعمال “الإبادة” في بلدة جباليا ومخيمها للاجئين، بما يشمل فرض حصار بري، وارتكاب مجازر بحق المدنيين، وتوسيع عمليات نسف المنازل، والتهجير القسري للسكان، وذلك في إطار حرب الإبادة الجماعية المتواصلة والتي يشنها على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتعد هذه هي الهجمة البرية الثالثة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جباليا منذ 7 أكتوبر، حيث يدعي جيش الاحتلال أن ما يقوم به في جباليا هو مجرد “عملية عسكرية لمنع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”.

وقبل ساعات من بدء هجومه البري، شن الجيش هجمة شرسة على المناطق الشرقية والغربية لشمالي القطاع تعد “الأعنف” منذ مايو/ أيار الماضي، في محاولة لإفراغ الشمال من سكانه، حسب مسؤولين فلسطينيين بالقطاع.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، كشفت صحيفة “هآرتس” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية يستعدان للمرحلة المقبلة من الحرب على غزة، والتي تشمل “التحضير للاستيطان وضم شمال القطاع”.

جاء ذلك في تحليل لرئيس تحرير الصحيفة ألوف بن، قال فيه: “تدخل إسرائيل المرحلة الثانية من الحرب على غزة، حيث ستحاول استكمال سيطرتها على شمال القطاع حتى محور نتساريم (أقامه الجيش الإسرائيلي وسط القطاع ويفصل شماله عن جنوبه)”.

ومطلع ذات الشهر تم الكشف عن “خطة الجنرالات” والتي تقضي بتهجير جميع الفلسطينيين من شمال القطاع ضمن مهلة تستمر أسبوعا قبل فرض حصار على المنطقة ووضع المقاتلين الفلسطينيين فيها بين خيار الموت أو الاستسلام.

و”خطة الجنرالات” صاغها قادة سابقون في جيش الاحتلال الإسرائيلي محسوبون على اليمين المتطرف، بزعامة الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي غيؤرا آيلاند ونشرت بوسائل إعلام عبرية.

تعمد استهداف الأطفال والنساء
ناجية أخرى من أعمال الإبادة الإسرائيلية بمخيم جباليا، الفلسطينية أميرة المصري قالت إنها قررت النزوح برفقة عائلتها من مركز إيواء في منطقة الفالوجا غرب مخيم جباليا إلى مدينة غزة.

وأضافت أن هذا القرار جاء خشية توغل جيش الاحتلال نحوهم ومحاصرتهم داخل المركز كما فعل في كثير من الأحيان.

وأوضحت أنها “قررت مع أفراد عائلتها البالغ عددهم 6، صباح الأربعاء، قطع الطريق المحاصر بالنيران الإسرائيلية (دوار أبو شرخ) ومحاولة النجاة بأنفسهم”.

وذكرت أن كل فرد منهم حمل “راية بيضاء وركضوا بها بأقصى سرعة ممكن، لكن شظايا قذيفة مدفعية أطلقها الجيش الإسرائيلية صوبهم أسفرت عن إصابتها بيدها وإصابة طفلتها ريناد (9 أعوام) في البطن.

واصلت العائلة المسير إلى أن اقتربت من مركبة على بعد 200 متر تقريبا والتي بدورها ساعدت في نقلهم للمستشفى والتي وصلوها بينما كانت حالة الطفلة الصحية “خطيرة”، بينما حالة الأم “طفيفة”.

وتقول المصري: “الاحتلال لا يفرق باستهدافه بين النساء والأطفال، كل شيء مستباح لديه”.

وعن وصفها للطريق المحاصر، روت المصري أن الطريق “ممتلئ بالجثامين والمصابين الذين يعجزون عن الحركة ولا يستطيع أحد الوصول لإنقاذهم أو انتشال الشهداء”.

مصير مجهول
ينتظر الشاب أدهم أبو ربيع من بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة بقلق أي خبر يطمئنه على حالة شقيقه محمد الذي أصيب في شارع “دوار أبو شرخ”.

ويقول أبو ربيع: “خرجنا أنا وأخي الأصغر محمد نحو مدينة غزة للالتحاق بعائلتنا بعدما صمدنا ليومين داخل منزلنا، وحينما وصلنا الطريق المقطوعة بالنار ركضنا لكن رصاصة أصابت أخي الذي سبقته بخطوات، في ظهره وسقط أرضا”.

واستكمل قائلا: “كنت آنذاك بين خيارين أن أعود لحمله وأصاب أنا أيضا، أو أتركه للمصير المجهول”.

وأشار إلى أن الشبان الذين تواجدوا في تلك المنطقة منعوه من التقدم لإنقاذ شقيقه لخطورة الوضع هناك، لافتا إلى أن الطائرات الإسرائيلية المسيرة تقدمت بعد فترة وجيزة وأطلقت صوبهم النيران بكثافة ما اضطرهم للفرار وترك أخيه وحيدا ينزف في الشارع.

وما زال مصير محمد مجهولا بالنسبة لشقيقه، بعد مضي ساعات على إصابته وبقائه في ذات المكان، وفق قوله.

وأفاد أنه سأل طواقم الدفاع المدني والإسعاف التي تصل للمنطقة لإنقاذ الجرحى، لكنهم قالوا إن المكان الذي يتواجد به شقيقه “خطر جدا والوصول له ليس بالأمر الهين”، متابعا: “لذا مصيره ما زال مجهول حتى الآن”.

وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت أكثر من 139 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وآلاف المفقودين، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل مجازرها في غزة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية.