أبو جدعان

mainThumb

10-10-2024 12:24 AM

printIcon


سهم محمد العبادي
رحل بطلنا مصطفى وراد الخرشه أبو بسام والملقب "بأبو جدعان" بعد أن قدم بطولته الأردنية في الجيش العربي الأردني بسجل الأبطال الذين صدقوا الله، فمنذ اليوم الأول له في العسكرية خط أبو جدعان قصة بطل تتناقلها الأجيال من أبناء العسكر والحراثين الذين سمعوا عنه من رفاق السلاح عسكر قريتهم، الذين كانت تعاليلهم عن رفاق السلاح ما بين السرايا العسكرية والكتيبة والفرقة وحديث الجند والبطولة.

أبو جدعان كان مرجعيتي التوثيقة عندما كتبت قصص بطولات الجيش الأردني في فلسطين، فهو شاهد العيان على المعارك، وسمع أصوات الرصاص والقذائف، واختلط عرق جبينه بملح البارود، مثلما يعلم معنى اختلاط الدم بالبارود، وقد زودني بعدة شهادات وأسماء لشهداء وجرحى وأسرى من نشامى جيشنا الأردني الذين كانت تتعالى أصواتهم في المعارك "المنية ولا الدنية"، فكتبت شهاداتهم في برنامج "شهداء على أسوار القدس" الذي تابعه ملايين الأردنيين، وغاب عن الجهات الرسمية مشاهدته.

القصص التي سمعتها من البطل الكركي "أبو جدعان" كثيرة عن نشامى الجيش، وهذه الشهادات والبطولات حقيقية كتبت بالدم والرصاص وصيحات الله أكبر على ظهور المجنزرات، وتشهد عليها سماء فلسطين وأرضها وجنازير الدبابات، وأبو جدعان هو واحد من هؤلاء الأبطال الذين كتبت أفعالهم على صدر التاريخ الأردني في الدفاع عن فلسطين، في اللطرون والشيخ جراح وباب الواد وتل الذخيرة والكرامة الأردنية، وعندما عجزت قوات العدو عن مقارعته، وأجهز عليها مع النشامى، كان رصيد أبو جدعان تدمير أربع دبابات للعدو بمن فيها، وأخرج سائقيها بالبندقية من داخلها، وحينما هاجمهم طيران العدو والدول الأخرى التي ساهمت بنكسة 1967 جرح أبو جدعان، ووقع في الأسر بعدما ذاع صيته في أرض المعركة، وكان موشيه ديان يبحث عنه، ودخل إلى مكان الأسر سائلا عن أبو جدعان، هذا العسكري الذي أذاقهم ورفاقه مرارة الهزيمة لولا تدخل الطيران، فكان رد أبو جدعان على ديان "ترجم يا مترجم، واسمع يا أعور جيشك جبان، إلك عندنا يوم، والحرب كر وفر، واليوم إلك وبكره عليك"، فخرج بعد ذلك بعملية تبادل الأسرى، واستقبلهم جلالة الملك الراحل المغفور له الملك الحسين بن طلال -رحمه الله- في قاعدة المفرق العسكرية، وقال لهم" أهلا برافعي رؤوس الأردنيين والعرب" فيما أرسل له الكاتب المصري الأستاذ محمد حسنين هيكل عبر مقالته في صحيفة الأهرام التي حملت عنوانا "إن وصلتك صباحا فصباح الخير، وأن وصلتك مساء فمساء الخير يا ابن جدعان"، وكان أبو جدعان من الذين عادوا وحاربوا العدو في معركة الكرامة في كتيبة الحسين الثانية، وساهم في النصر الخالد بالكرامة الأردنية.

كم من شبيه لابو جدعان بيننا اليوم؟ وكم منهم من رحل؟ وكان لهم الأثر في الذود عن الأردن وفلسطين، ومعهم مئات القصص التي يمكن أن تروى لتوثق تاريخ الأردنيين الذي يطعن به اليوم من بعض شواذ الفكر والرجولة والمواقف والعروبة والدين، فقد جاهد الأردنيون عبر التاريخ في سبيل فلسطين دفاعا عنها ونيابة عن الأمة، وأضرحة الراقدين في جنان فلسطين شهود للتاريخ وعليه، وكنت تجولت في كل فلسطين، وأديت التحية لهم، ورفعت علم الأردن على أضرحتهم، بل وناجيتهم أيضا، فالشهداء أحياء وكنت الواثق أنهم يسمعون وأنا أخاطبهم "قو النشامى".

كم نحتاج إلى من يتخذ القرار بتوثيق هذه البطولات، وهذا التاريخ الأردني العظيم، فما زال بيننا من الذين صنعوا النصر والفخر من حملة الشعار والبوريه، ولديهم تاريخ كبير يمكن أن يدون لتعرف الأجيال الحاضرة والقادمة من هم الأردنيون؟ وماذا صنعوا للأمة؟ فنحن من صنعنا التاريخ، لكننا نعجز عن كتابته وتوثيقه وهي رسالة إلى من يهمه الأمر للبدء بمسيرة التوثيق الوطني لتاريخ عظيم لا يملكه إلا الأردنيون حتى لا يأتي يوم ليس لدينا فيه شاهد.

رحم الله البطل والأسطورة العسكرية العم أبو جدعان الخرشه رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وستبقى خالدا ورمزا وقدوة أردنية نحدث عنها نشامى اليوم والمستقبل أن الأردن العظيم ذاد عنه وعن فلسطين نشامى عظماء منا ونحن على دربهم سائرون.
سلام عليك وسلام على ام الينابيع وسلام على المزار وسلام على الكرك