الكل مخترق والقادم أسوأ

mainThumb
د.عبدالله سرور الزعبي

03-10-2024 01:38 PM

printIcon

د.عبدالله سرور الزعبي

ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، التصريحات الصادرة عن الرئيس الإيراني الأسبق لشبكة CNN التركية خلال هذا الأسبوع والمنشور في أكثر من موقع إخباري، والتي بين فيها أن الاختراق الكبير الحاصل للأجهزة الأمنية في إيران، ومنها اختراق الوحدة الخاصة لمكافحة أنشطة الموساد الإسرائيلي حتى وصل الأمر إلى رئيس الوحدة نفسها.


فإذا كان الرئيس الإيراني الأسبق يتحدث عن دولة لها نظامها الأمني المغلق، ومخترقة إلى هذا الحد (من يدري بأن تكون كافة المعلومات والمعطيات الخاصة ببرنامجها النووي والقدرات العسكرية وقدرات حلفائها قد تم تسريبها للجهة الباحثة عنها بالكامل)، فمن الطبيعي أن يكون قد تم اختراق حزب الله إلى هذا المستوى العميق، الأمر الذي أدى إلى التخلص من قياداته بمن فيهم أمينه العام، سبقها إلى ذلك عملية التخلص من مقاتليه بتفجير أجهزة النداء وأجهزة الاتصالات الراديوية (وهي تكنولوجيا من زمن الثورة الصناعية الثالثة، إلا أنه تم إدخال التعديلات التكنولوجية الحديثة عليها ليسهل عملية تنفيذ المهمة)، والتي صنفت بالناجحة بامتياز، وشكلت صدمة للعالم أجمع، وأظهرت أن مستقبل الحروب أصبح لمن يمتلك القدرة التكنولوجية ويدركها.

إلا أن عملية الاختراق البشري والتي حددت عناصر الحزب (على الأغلب جلهم من المقاتلين) وأماكن تواجدهم في منطقة جغرافية محددة (سؤال بحاجة إلى إجابة كون كل من كان لديه جهاز الرد (البيجر) قتل أو أصيب وتواجدوا في منطقة جغرافية محددة)، هي التي ساعدت على تنفيذ هذه العملية بدقة واحترافية متناهية.

إن عمليات الاختراق الإلكتروني وباستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي عملية ليست بالجديدة على إسرائيل، وهي التي سبق أن انكشف أمرها باستخدام برنامج بيغاسوس وغيرها الكثير، مع وجود الكثير من التطبيقات العالمية الشبيهة والموجودة في أجهزة الاتصال وغيرها من الأجهزة الإلكترونية المختلفة والتي يستخدمها ما لا يقل عن خمسة مليارات من البشر.

إن المشكلة التي تواجه الدول، لا تكمن في آلية جمع المعلومات عن مختلف المستويات البشرية، بل في القدرة على سرعة تحليل كم المعلومات الضخمة الواردة من أجهزة الاتصالات الذكية وغيرها إلى مراكز جمع المعلومات في الدول على مختلف مستوياتها، والتي أسست إلى ظهور علم معني بمعالجة البيانات الضخمة ويدرس كتخصص في بعض الجامعات.

إن تصريحات الرئيس الإيراني الأسبق وما حدث لتنظيم حزب الله منذ أسبوعين يبين حجم الاختراق الواقع في جسم محور المقاومة، الأمر الذي جعل إيران وجميع دول المنطقة يلتقطون الإشارة وبمنتهى الوضوح، ودفع إيران إلى التراجع لخطوات كبيرة، وعدم الاندفاع للمواجهة (وهي التي تعلم جيداً بأن المواجهة لن تكون مع إسرائيل لوحدها) على الرغم من الخسائر التي لحقت بها (إن صح التعبير بعد ما حصل من محاولة لقطع ذراعها الخارجية الرئيسية، ويجري العمل على تدميرها إن أمكن)، وذلك بهدف حماية نفسها وبنيتها التحتية والاقتصادية والعسكرية وبرنامجها النووي (وهي اليوم تبحث عن آلية لتنظيف جسدها من العملاء إن استطاعت). وفي نفس الوقت تبحث عن صفقة للمحافظة على ضمان وجودها كدولة فاعلة ومؤثرة في المنطقة وكقوة إقليمية (وإن الرد الذي شاهدناه يوم أمس، والذي أصابت شظاياه اثنين من الأردنيين ولم تصب أيا من الإسرائيليين (حسب ما أعلن في المواقع الإخبارية العالمية، حيث وصف الهجوم بالفاشل من أكثر من جهة)، يعتبر ردا إسترتيجيا ولكن ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها، وللتأكيد على أن إيران ما زال لديها القدرة على خلق التوازن وعلى الجميع أن يأخذ بعين الاعتبار دورها المستقبلي في إعادة تشكيل المنطقة، وبنفس الوقت يبعث رسائل إلى عدم الرغبة في المواجهة العسكرية المباشرة.

إلا أن السؤال اليوم، هل توافق إسرائيل على ذلك؟ وهي الدولة الساعية إلى توسيع رقعة الحرب تكون لها فيها اليد الطولى نظراً لما تملكه من قوة تدميرية جوية وتكنولوجيا حربية متطورة تعتمد فيها على تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والخامسة والتي لا تمتلكها دول المنطقة، وكذلك يسعى نتيناهو الى توريط أميركا باندفاعه المتهور والمغامر مستغلاً فترة ما قبل الانتخابات فيها وانشغال روسيا في حربها وشبه حيادية الصين. إلا أن إيران تعي جيداً أن إسرائيل تملك التكنولوجيا وبنفس الوقت تكنولوجيا الدول الغربية المتوفرة وتحت تصرفها، ومع وجود قيادة سياسية في اسرائيل معروفة في تطرفها واندفاعها لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية في القضاء على كل من لا يتفق مع سياستها التوسعية وعلى حلم إقامة الدولة الفلسطينية وخاصة في أراضي الضفة الغربية وإعادة ترتيب المنطقة، غير آبهة بردة الفعل العالمية مهما كانت (وهذا كان واضحاً في خطاب نتنياهو الأخير في هيئة الأمم المتحدة). كما أن نتنياهو وبما حققته له المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من إنجازات فتكت بقيادات وقدرات حزب الله بفترة وجيزة (الذي كان يعتقد بأنه يشكل تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل)، وجد فيها ضالته التي لم يستطع تحقيقها في حربه على غزة (على الرغم من تدميرها شبه الكامل)، أصبح يسابق الزمن لتحقيق الجزء الأكبر من مخططاته العسكرية (التي لن تتوقف عند حزب الله وجنوب لبنان، بل سيشمل الضفة الغربية وستمتد إلى سورية والحوثيين، إن موضوع الحوثيين، أعتقد أن من سيقوم بهذه المهمة الدول الغربية الكبرى للحفاظ على أمن الملاحة وخطوط الإمداد في البحر الأحمر) ومن الممكن أيضاً أن تصل إلى العراق (وهو الذي من المفترض أن يشكل حالة توازن بين أميركا وإيران) وغيرها من دول المنطقة الواقعة ضمن مخططه، لاستعادة الردع وفرض واقع جديد معتبراً نفسه بأنه القائد الجيوسياسي الأعظم في المنطقة ودولته قوة الردع الأكبر فيها والقادرة على أن تقود اقتصادها عن طريق السيطرة على حقول الغاز في شرق المتوسط ومصادر الطاقة الأخرى والتجارة فيها، وذلك بهدف تسهيل أي نوع من أنواع التفاوض السياسي المستقبلي الذي سيحصل آجلاً أم عاجلاً، وتسهيل عملية إعادة تشكيل المنطقة، التي تمر بأخطر مرحلة لها منذ ما يزيد على خمسة عقود من قبل المتصارعين عليها وبدون أي صعوبات (إن كان ذلك بالإمكان).

إن إعادة تشكيل المنطقة ستكون بين مراكز القوى العالمية الغربية بقيادة الولايات المتحدة والصين وروسيا بدرجة أقل والقوى الإقليمية الفاعلة (إسرائيل وتركيا وإيران) والدول العربية المعتدلة غير الراغبة في أي نوع من أنواع التصعيد والمواجهات العسكرية في المنطقة، وفي مقدمتهم الأردن بقيادة جلالة الملك، الذي يدعو لحماية أمن المنطقة عن طريق إيجاد الحلول السياسية لأسباب الصراع الرئيسة فيها والتي تعتبر القضية الفلسطينية ركنها الأساسي، بالإضافة إلى حماية الأمن الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة من شبح التطرف. إلا أنه ومع كل أسف يوجد بعض القوى ومنها الحكومة الإسرائيلية ترى أن مصالحها غير ذلك. إذ عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخاصة الحالية منها إلى إفشال أي خطة لإيجاد حلول سلمية تضمن إقامة الدولة الفلسطينية والتي يعتقد نتنياهو بأنه تجاوز هذا الموضوع وللأبد، إذ تنحصر إستراتيجيته في أحسن الأحوال بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة وفي غزة فقط، منطلقاً من اتفاقية أوسلو التي تحدثت عن غزة أولاً وهو الذي يريدها بأن تكون آخراً وذلك في أحسن الظروف ولكن بدون أي وجود لحماس).

في ظل السيناريوهات المفتوحة للتصعيد والتي لا يعلم أحد إلى أي مدى قد تذهب بالمنطقة والعالم، إلا أن الأردن بقيادة جلالة الملك، ما زال يمثل صوت الحكمة العالمي، والذي سبق وأن حذر العالم ومنذ بداية القرن من الوصول إلى مثل هذا الوضع الذي نعيشه اليوم، وهو الوضع الذي لا تحسد عليه المنطقة بكاملها، كما سبق وأن حذر من أن عدم إيجاد حلول ترضي الأطراف المتنازعة سيؤدي إلى انتشار التطرف بمختلف أنواعه الذي قد يستشري في المنطقة كالوباء المعدي (وقد بدأنا نشاهده بين المستوطنين اليهود في الضفة الغربية)، وسبق للمنطقة والعالم أن عاشت تطرف ما يسمى بداعش وأمثالها.

إن رسائل الملك كانت وما زالت واضحة لجميع قيادات وشعوب المنطقة والعالم، بأن الأمن والسلم العالمي والمجتمعي لن يتحقق بترحيل الأزمات أو نقلها من مكان إلى آخر، بل بحل جذور الصراع والمتمثل بحل القضية الفلسطينية وذلك وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وبنفس الوقت يجب ألا يكون على حساب الغير.

أما نحن في الأردن، وفي ظل الظروف القاهرة، فإننا بأمس الحاجة إلى التكاتف الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، وأن نكون السند وكما كنا دوماً للدولة وللقوات المسلحة، وعلينا التركيز على أمن واستقرار الأردن، وبنفس الوقت العمل على التسريع بتنفيذ المشاريع الوطنية لتحصين الجبهة الوطنية الداخلية (في ظل وجود الكم الهائل من الإشاعات مختلفة المصادر وخاصة في ظل انتشار التطبيقات القادرة على خلق عواصف إلكترونية إعلامية، يصعب مواجهتها أحياناً)، وخاصة خطة الإصلاح الاقتصادي فعلاً لا قولاً، لكي يلمس المواطنون ذلك، والعمل على زيادة وتيرة تحقيق الأمن الغذائي الوطني وتسريع وتيرة الإصلاح الإداري الذي يجب أن يقوم على الكفاءة لا على المجاملة، لتحقيق الرؤى الملكية بتعزيز منعة الدولة الأردنية وحماية أمنها الإستراتيجي ولكي تكون قادرة على تقديم الدعم للأشقاء في فلسطين والمحافظة على وجودهم في أرضهم كمصلحة إستراتيجية عليا للدولة الأردنية.