أخبار اليوم - شدد تقرير نشرته صحيفة "جون أفريك" الفرنسية على الصدمة الاستياء التي خلفها قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إلغاء ترشح ثلاثة مرشحين للرئاسة، ما يعكس "تدهور الأمل في انتخابات ديمقراطية".
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه في أعقاب قرار مفاجئ بإلغاء ترشيح ثلاثة مرشحين للرئاسة، كان قد تمت إعادتهم للانتخابات من قبل القضاء، يتأرجح البلد بين الذهول، واليأس، والغضب.
وأضافت أنه في ظهر يوم 2 أيلول/سبتمبر؛ خيّب رئيس اللجنة الانتخابية، فاروق بوعسكر، آمال أولئك الذين كانوا يتطلعون إلى انتخابات تعددية في 6 تشرين الأول/أكتوبر، والذين ظنوا أن الهيئة، في لحظة من الوعي واحترام القانون، لن تصل إلى حد إنكار ما تنص عليه النصوص القانونية. وكانوا يأملون أن تأخذ الهيئة بعين الاعتبار قرار المحكمة الإدارية، الذي صدر قبل أيام قليلة، بقبول الطعون المقدمة من عبد اللطيف المكي، ومنذر زنايدي، وعماد الدايمي لإعادتهم لسباق الانتخابات الرئاسية بعد أن تم رفض طلباتهم من قبل نفس الهيئة.
وقالت الصحيفة إنه لم يأت قرار توقيف أحد منافسي الرئيس قيس سعيد، أيادي زمّل، بتهمة تزوير كشوفات التوقيعات، بمفاجأة للعديد من المراقبين. فقد أصبح واضحًا أنّ الرئيس سعيد لا يرغب بِمُواجهة منافسين حقيقيين في الِانتخابات الرئاسية الِمقبلة التي يُشارك فيها لِحُصول على ولاية ثانية. وفي فجر اليوم الثاني من أيلول/سبتمبر، تمّ توقيف زمّل رغم أن ترشيحه قد تمّ الِتصديق عليه رسميًا والتحقق منه من قبل الهيئة الانتخابية قبل ذلك.
وأشارت إلى أن هذا التطور يُظهر بوضوح الاستراتيجية التي يتبعها سعيد لضمان الفوز بدون منافسة، باستخدام أساليب قمعية تنتهك المبادئ الديمقراطية، فهذا القرار يثير تساؤلات جدية حول نزاهة العملية الانتخابية ومستقبل الديمقراطية في تونس، حيث يُخشى أن تكون الانتخابات مجرد مسرحية لضمان فوز سعيد بولاية ثانية.
وأكدت الصحيفة أن زهير مُغزاوي، الأمين العام لِحركة الشعب، هو المرشح الوحيد الذي يواجه الرئيس الحالي. وكان مُغزاوي قد أيدّ عملية إعادة هيكلة النظام السياسي التي أطلقها قيس سعيد، ولكنه أعرب عن رفضه لِلمناورات الأخيرة المُرتبطة بِالِانتخابات الرئاسية. وأشار بعض المُقرّبين منه إلى أن مُغزاوي يُفترض أن يتراجع عن ترشيحه لِأنه لا يُوافق على المُقاربة التي اتّبعتها الهيئة الانتخابية. وأضافوا أنّه "أشرف ألا يُشارك في هذا الفِعل الِمشين من أن يُصبح جزءًا منه".
صراع الاختصاص الذي حكم فيه الدستور
وأشارت الصحيفة، إلى أن "سيطرة قيس سعيد على النظام السياسي أصبحت واضحة، فقد أطاعت الهيئة الانتخابية تعليماته وألغت ترشيح المُرشّحين الذين أعيدوا للسباق الرئاسي بشكل قانوني، مُقدّمةً بهذا الِفعل هُجومًا تاريخيًا وغير مُتوقع على مُبادئ الدولة القانونية".
وأفادت الصحيفة بأن "الهيئة الانتخابية تجاوزت مهمتها الأساسية بالإشراف على سير العملية الانتخابية، ومارست صلاحيات قضائية لا تُناط بها؛ حيث أكدت المادة 30 من القانون الانتخابي تنص على أن قرار استئناف المحكمة الإدارية نهائي ولا يمكن الطعن فيه".
وذكرت أن فاروق بوعسكر أصر على أن الهيئة الانتخابية، وبموجب المادة 134 من الدستور، "مسؤولة عن ضمان إجراء انتخابات واستفتاءات ديمقراطية، حرة، متعدّدة الأحزاب، نزيهة وشفّافة، وتكون مسؤولة عن جميع الِعمليات المُرتبطة بالتنظيم والإدارة والإشراف على الِانتخابات والِاستفتاءات، بِمُوجب هذا القانون والِتشريعات الِانتخابية". وتُعتبر هذه المُهمّة تقنية وعمليّة، ولا تُمنح الهيئة الانتخابية صلاحيات قضائية، وذلك واضح في الدستور أيضا.
وتعتبر جميع الحجج الأخرى التي طرحت خلال البيان الِصحفي مجرد محاولات للتشكيك في صلاحيات المحكمة الإدارية. وتنفي المحكمة هذا الِادّعاء وتؤكد أنها قدمت هذه الِوثائق، وتشير أيضا إلى أن الموعد الِأخير لنشر القائمة النهائية للمرشحين كان في الثالث من أيلول/سبتمبر. وبِذلك، فقد سارعت الهيئة الانتخابية بِإجراءات الإلغاء رغم أنّ كان بِمقدورها أن تُمهّل لِمدة أربعة وعشرين ساعة، وفقا للتقرير.
وذكرت الصحيفة أن فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يحاول تحسين صورة الهيئة أمام الرأي العام، لكنه يتظاهر بعدم فهم الفروق الأساسية في الشكل والمضمون. ويُقدم حُججه بِوضوح ويختار معسكر قيس سعيد، بِمُخالفة مُبادئ الدولة الِقانونية. ويُشير محامي إلى أنّ "بوعسكر تجرأ ولِذلك فهو متأكد من إمكانية العمل بدون عقاب"، ويُضيف أنّه "سَيتمّ إدانته من قبل محكمة التاريخ".
انتخابات "غير نزيهة، غير تعددية، غير شفافة وغير ديمقراطية"
ووفق الصحيفة؛ يعبر القاضي أحمد سوب عن استيائه قائلا: "تجاوزنا حدود ما لا يمكن تخيله"، فقرار إعادة المرشحين الثلاثة يُعتبر زلزالاً قد يعيد توجيه الديناميكيات الانتخابية نحو الديمقراطية، رغم أن إعلان الهيئة يُعتبر تسونامي يهدد النظام، وتقول قاضية رافضة الاستسلام للضغوط السياسية: "أنا لا أعترف إلا بالقانون، وهو واحد".
وأوضحت الصحيفة، أنه في الثاني من أيلول /سبتمبر، كانت ردود الفعل خجولة، حيث خرج عدد قليل من المواطنين للاحتجاج، بينما أظهرت عالمة اجتماع حالة من الذهول بين المتخصصين، في حين تبقى الأغلبية غير مبالية.
وتابعت الصحيفة قائلة، إن الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من تشرين الأول/أكتوبر تبدو نتيجتها محددة سلفا، واعتبر باسم الطريفي الاقتراع "غير نزيه"، فيما أسار هشام عجبوني إلى قيس سعيد كمحور الوضع، مع مخاوف من فكرة الانتخابات.
ولفتت إلى أن بعض الأصوات تقترح تجنب هذه المهزلة؛ حيث تتساءل ناشطة محامية: "إذا كان الرئيس متحمسا للبقاء في السلطة، لماذا لم يُدرج رئاسة مدى الحياة في الدستور؟".