أخبار اليوم - عالم وقاضٍ فلسطيني وُلد في القدس الشريف عام 1907، وينحدر من أسرة سكنت القدس منذ القرن السادس عشر، وجال ربوع العالم من أجل التعريف بالقضية الفلسطينية، وحشد الدعم والنصرة لها.
تخرج في جامع الأزهر وكرس حياته للعلم والدعوة، كما شغل العديد من المناصب القيادية السياسية الدينية والقضائية في الأردن منذ تأسيس المملكة وحتى وفاته.
المولد والنشأة
وُلِد الشيخ عبد الله شحادة غوشة في منزل العائلة بحوش المئذنة الحمراء، في حارة السعدية بالبلدة القديمة في القدس الشريف عام 1907م.
ينتمي إلى عائلة آل غوشة، التي يشير في مذكراته إلى أنها تقيم في القدس منذ حوالي 450 عاما، ولم يذكر معلومات عن جذور العائلة ومن أين ارتحلت إلى القدس وظروف انتقالها.
تربى عبد الله غوشة في بيته على المبادئ الدينية السمحة، وتفتحت روحه من صغره على الإيمان وحلقات الذكر، والالتزام بالعقيدة.
الدراسة والتكوين
أنهى الطالب عبد الله غوشة دراسته الابتدائية في المدرسة الرشيدية في القدس الشريف، ونظرا لتفوقه قبلته كلية روضة المعارف الوطنية للدراسة فيها مجانا، جريا على عادة كانت قد استنتها في استقطاب المتفوقين لإكمال دراستهم الثانوية فيها.
وفي عام 1921م أنهى الصف الثالث الإعدادي -وهو نهاية المرحلة الثانوية في حينه- وحصل على المرتبة الأولى بين المتخرجين، فقررت إدارة كلية روضة المعارف ابتعاثه على نفقتها ليدرس الطب بالجامعة الأميركية في بيروت.
وفي حين كان يستعد للحاق بالدراسة في الجامعة الأميركية قرأ إعلانا عن تشكيل لجنة لانتقاء عدد من الطلاب للدراسة في الأزهر الشريف، وكان أكثر ميلا لدراسة العلوم الشرعية.
والتقت رغبته مع رغبة والده الحاج شحادة غوشة، الذي كان يتمنى أن يكون أحد أبنائه من علماء الأزهر، فتقدم لامتحان المسابقة الذي جرى في الزاوية البخارية بالقدس.
وكانت لجنة الامتحان برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، وكان عبد الله غوشه من بين الأوائل في امتحان القبول، فيمَّمَ شطر الجامع الأزهر ولم يكن عمره يتجاوز الخامسة عشرة.
تخرَّج من الأزهر ليبدأ مسيرته الزاخرة في خدمة الإسلام والمسلمين والعرب وقضاياهم، فعاد إلى القدس، وكانت فلسطين تتعرض لمؤامرة صهيونية وغربية تستهدف الاستيلاء عليها وتحويلها إلى "وطن قومي لليهود".
التجربة السياسية والعملية
بعد عودته إلى القدس، باشر عبد الله غوشة نشاطه العملي، وشارك في المؤتمر الإسلامي العام، الذي دعا إليه الحاج الحسيني، وانعقد في القدس عام 1931م، وشارك فيه مندوبون وزعماء من مختلف الأقطار العربية والإسلامية.
وكان الهدف من المؤتمر إثارة اهتمام الرأي العام الإسلامي والعالمي بقضية فلسطين، وتأسيس جبهة ذات طابع إسلامي للدفاع عن القدس وفلسطين ومواجهة الصهيونية العالمية وانحياز العالم الغربي لها.
وفي أعقاب نكبة 1948 وضياع جزء كبير من فلسطين، قام غوشة مع وفد إسلامي بجولة شملت باكستان وأفغانستان، استمرت تسعة أشهر من أجل شرح القضية الفلسطينية والتوعية بمخاطر احتلال فلسطين على الأمة بأسرها.
كما هدفت الجولة إلى حشد النصرة للفلسطينيين والدعوة إلى دعم القضية والتصدي للمخططات الصهيونية -المدعومة بالاستعمار البريطاني– لسلب فلسطين وإقامة دولة إسرائيل.
وبعد أن أكمل الوفد جولته عاد عبد الله غوشة إلى القدس ليشارك في الجهود لتشكيل تجمع إسلامي شعبي لدعم قضية القدس وفلسطين.
كان الشيخ عبد الله غوشة متعدد النشاطات، خاصة تلك التي لها علاقة بعلوم الشريعة، فقد شارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية والعالمية، ومنها المؤتمر الإسلامي العالمي الأول الذي عُقد في كراتشي بباكستان (1949م)، ومؤتمر الثقافة الإسلامية وعلاقتها بالعالم المعاصر، الذي انعقد في جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية (1953م).
كما شارك في الاحتفالات بعيد الذكرى الألفية لتأسيس بغداد وبذكرى فيلسوفها أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، والتي نُظمت عام 1962م، وكان حاضرا في معظم دورات مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة منذ تأسيسه عام 1964م.
وشارك في الاحتفالات بمرور 14 قرنا على نزول القرآن الكريم، والتي أقيمت في العاصمة المغربية الرباط عام 1968م، وفي المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في كوالالمبور بماليزيا (1969م).
وحضر كذلك في مؤتمر حوار الأديان الذي انعقد في زاغورسكي، إحدى ضواحي العاصمة الروسية موسكو (1972م)، وكذا مؤتمر علماء المسلمين في بغداد، الذي انتخب لرئاسته عام 1975م)، كما حضر الاحتفالات بمرور 1200 عام على ميلاد الإمام البخاري، والتي أقيمت في سمرقند عام 1975م.
الوظائف والمسؤوليات
كان الشيخ عبد الله غوشة يلقي درسا أسبوعيا في المسجد الأقصى، وكان من الموقعين على فتوى حرمة التنازل عن أرض فلسطين وعن حق العودة إليها، وهي الفتوى التي اجتمع العلماء والقضاة وأصدروها في المسجد الأقصى إبان الانتداب البريطاني.
شغل مركز رئيس الهيئة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس سنوات طويلة، ولم يكن يحضر للأردن زعيم إسلامي إلا وكان للشيخ غوشة لقاء معه ليشرح له قضية فلسطين.
وقد شملت جولاته منفردا أو ضمن وفود شعبية أو رسمية من أجل القدس وفلسطين السعودية وتركيا والمغرب ومصر وسوريا والعراق والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وباكستان وأفغانستان والهند والجزائر وإيران وماليزيا.
كما لم تقتصر جولاته من أجل القدس وفلسطين على البلدان العربية والإسلامية، فقد زار أيضا بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي (في حينه) وألمانيا ويوغسلافيا (في حينها) وتايلاند.
ترأس في سنواته الأخيرة وفدا ضم عددا من العلماء المسلمين ورجال الدين المسيحيين، قام بجولة في الولايات المتحدة الأميركية لشرح حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي.
ترأس الوفد الرسمي الذي أوفده الملك الراحل الحسين بن طلال إلى ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية لشرح أبعاد المؤامرة اليهودية على القدس.
بدأ مناصبه الرسمية ضمن الحكومة الأردنية في أكتوبر/تشرين الأول 1950، عندما تم تعيينه قاضيا في حكومة سعيد المفتي، ولما شكّل سمير الرفاعي الجد حكومته في العام نفسه تم تعيين غوشة قاضي القضاة، إضافة إلى منصبه وزيرا للعدل.
أصبح وزيرا للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عام 1968م، وفي حكومة عبد المنعم الرفاعي عام 1969م أسندت إليه وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، إضافة إلى منصب قاضي القضاة.
أما حكومة بهجت التلهوني فتولى فيها غوشة منصب قاضي القضاة إضافة إلى وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية.
شغل أيضا عضوية مجلس الأعيان، وترأس لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة، كما كان نائبا لرئيس اللجنة الملكية لشؤون القدس.
المؤلفات والإنجازات
كتب الشيخ عبد الله غوشة عددا كبيرا من المؤلفات، من أبرزها:
كتاب مذكراته الذي عنونه بـ"مذكراتي … في سبيل القدس والقضية الفلسطينية"
الجهاد طريق النصر.
الدولة الإسلامية دولة إنسانية.
فلسفة الحريات في الإسلام.
وكانت مكتبة كبيرة شاملة جمع فيها كتبا قيمة منذ صغره بسبب حبه للقراءة، وقرر ورثته التبرع بها لجامعة آل البيت. وأقامت الجامعة مكتبة خاصة سمتها باسمه، تحوي 5 آلاف كتاب ومخطوطة.
الوفاة
أُصيب الشيخ عبد االله غوشة بوعكة صحية أثناء وجوده في إيران، وعاد إلى عمّان للاستشفاء والعلاج، ولكن المرض لم يمهله طويلا.
تُوفي بعد ظهر يوم الثلاثاء الخامس من جمادى الآخرة عام 1397هـ – الموافق 24 مايو/أيار 1977م.