في ظاهرة يتسع انتشارها بشكل متسارع في غالبية محافظات المملكة، تواصل خريجات متعطلات تحدي البطالة والفقر بتحويل غرف من منازلهن الى صفوف لإعطاء الدروس الخصوصية للطلبة مقابل أجور معقولة، في وقت أوجدت مواقع التواصل الاجتماعي سهولة بالتشبيك بين الخريجات وأولياء أمور وجدوا في هذه الطريقة كلفة أقل وراحة أكثر.
ورغم غياب المعلومات حول ماهية الدروس الخصوصي بالمنازل كونها تتم بشكل شخصي بعيدا عن إجراءات الرقابة، يبدو أن انتشار هذه الصفوف يكون بشكل أوسع في المناطق البعيدة عن المركز وتقل فيها المدارس الخاصة، إضافة الى وجود اكتظاظ بمدارسها.
ويعد لواء الغور الشمالي إحدى أكثر المناطق انتشارا لهذا النوع من التدريس، وفق خريجات أكدن أن هناك إقبالا من قبل الطلبة على تلقي الدروس الخصوصية بالمنازل، خاصة وأن أجورها ضمن المعقول وبإمكان الطالب أن يشعر وكأنه في بيته، وبالتالي الاستفادة بشكل أكثر.
آراء الخريجات تنسجم أيضا مع آراء بعض أولياء الأمور الذين يجدون في هذه الدروس فرصة مناسبة بكلفة مقبولة لتطوير أبنائهم وتحسين مستواهم التعليمي، في مكان يعتبرونه آمنا ومعروفا ومن قبل خريجات تمرسن مع مرور الوقت على هذا النوع من العمل التدريسي.
تقول والدة الطالب علي البشتاوي في الصف الأول، إنها حاولت تدريس ابنها على الأرقام باللغة العربية، إلا أنها وجدت صعوبة في إيصال المعلومة لابنها.
وتابعت “حرصا على أن يحصل ابني على تأسيس جيد، قررت أن ألحقه بالدروس الخصوصية مع إحدى المعلمات، وبعد البحث على شبكة الانترنت وجدت العديد من المعلمات ممن يرغبن بإعطاء دروس خصوصية، والمفرح في الأمر أن تخصص غالبيتهن معلم صف وقادرات على إعطاء الدروس الخصوصية”.
وتعتقد أن تلك الخريجات دفعتهن ظروف الفقر وقلة الحيلة الى التدريس في منازلهن وتحويلها الى مراكز تعليمية رغم صغر المساحة.
وأكدت أنها أرسلت ابنها بإحدى الخريجات من أجل تأسيسه بشكل جيد منذ الصغر، مستفيدة من تجربتها السابقة مع ابنتها الأكبر التي أهملت تعليمها في صغرها والآن تعاني من تراجع تحصيلها العلمي.
وفي المقابل، تقول الخريجة سيهام أبو صهيون من منطقة وقاص، إنها حصلت على شهادة جامعية منذ حوالي 5 سنوات وحاولت البحث عن فرصة عمل خارج وداخل اللواء، ولكن دون جدوى، مؤكدة أنها تقدمت بطلب توظيف في إحدى المدارس الخاصة، ولكنها شعرت بالاستغلال بحجة أنها تحت التجربة.
وتابعت، أنها اكتسبت مع الوقت الخبرة في التعامل مع الأطفال والطلبة، فما كان منها إلا أن اقترحت على أسرتها بتحويل غرفتها الى غرفة صفية تمكنها من إعطاء الدروس الخصوصية للطلبة مقابل أجور معقولة.
وتابعت أبو صهيون “قمت بنشر إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي عن استعدادي لتدريس الطلبة في منزلي، ووجدت إقبالا لافتا، الآن أنا مدرسة للدروس الخصوصية في منزلي، وأنا سعيدة بما أقدمه للطلبة مقابل أجور معقولة رغم أنها مهنة شاقة وفيها مسؤولية”.
وينسحب حال أبو صهيون على العشرات إن لم يكن مئات الخريجات بالأغوار الشمالية اللاتي وجدن أنفسهن بعد سنوات من التخرج من دون أمل بالتوظيف، فيما يشكل التدريس الخصوصي بالمنازل فرصة لتحدي البطالة وضيق الحال.
وتوضح إسلام الدبيس، أنها تخرجت بتخصص اللغة العربية منذ 10 أعوام، ولغاية الآن لم تحصل على وظيفة في القطاعين سواء العام أو الخاص، ما اضطرها للبحث عن مشروع يتناسب مع تخصصها الجامعي ويوفر مصدر دخل تعيل به أسرتها، وخصوصا بعد أن توفي زوجها، موضحة أنها تعمل الآن وفي منزلها على تدريس الطلاب بمختلف المراحل بعد أن خصصت إحدى الغرف لهذه الغاية وجهزتها بكامل المعدات.
الى ذلك، أوضحت رئيسة جمعية تلال المنشية تهاني الشحيمات، أن مستوى الطلاب التعليمي تراجع بسبب ظروف المدارس واكتظاظ عدد الطلبة في الغرف الصفية، ناهيك عن جائحة كورونا واعتماد التعلم عن بعد، مما يحمل المدارس أعباء وجهدا ووقتا أكبر في تحسين مستوى الطلاب وإعادتهم إلى التعليم الوجاهي بشكل كامل.
وبينت الشحيمات أنها اضطرت الى تحويل بعض من مرافق الجمعية الى أماكن مخصصة لتدريس بعض الطلبة، وخصوصا الأسر الفقيرة؛ حيث عملت على استقطاب متطوعات من المنطقة وخارجها، ومن خلال المعلومات وسجلات الجمعية تم التشبيك مع عدد من الطلبة من أسر غير مقتدرة من أجل تعليمهم من قبل متطوعات قادرات ومتمكنات في إيصال المعلومة وكانت النتائج واضحة ومرضية.
وأضافت الشحيمات، أن فرص العمل المتوفرة في القطاع الخاص التعليمي محدودة مقارنة بأعداد الخريجين، وهذا واضح من خلال أعداد المعلمين المتقدمين للحصول على وظيفة في المدارس الخاصة وعددهم كبير جدا، خاصة أن لواء الغور الشمالي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة جدا وعدد المدارس الخاصة قليل جدا، لذلك تشهد الغرف الصفية في مدارس اللواء اكتظاظا كبيرا.
وترى المرشدة التربوية عواطف أيمن، أن الدروس الخصوصية في باحات المنازل انتشرت بشكل واسع جدا وساعدت الظروف على نمو هذه الظاهرة، كالظروف الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، ومنها ارتفاع عدد الخريجين بشكل كبير، وخاصة بين الفتيات، وحاجتهن للعمل في ظل الظروف الصعبة وعدم وجود عمل في اللواء ورفض ذويهن عملهن خارج اللواء.
وترى أن التعليم الخصوصي بشكل عام ضروري لفئة معينة من الطلاب، ومنهم متدنو التحصيل التعليمي والمرحلة الثانوية، أما باقي الطلاب فهم قادرون على متابعة تحصيلهم الدراسي في الغرف الصفية خلال التعليم الوجاهي مراعاة لظروف الأهالي المادية في هذه الفترة بشكل خاص وتحملهم تكاليف باهظة، لاسيما وأن لواء الغور الشمالي من المناطق الأشدا فقرا ويعد سكانه من ذوي الدخل المحدود، إذ يعتمد سكان اللواء على العمل في القطاع الزراعي المتقلب، كما أن أغلب المدارس في اللواء مستأجرة وبسيطة وتشهد بعض الغرف الصفية اكتظاظا.
علا عبداللطيف / الغد