د. محمد المناصير
وزير الإعلام الأسبق معالي الأستاذ نصوح سالم سليمان المجالي) أبو ذاكر).. ولد في اربد فقد كان والده يعمل في الأمن العام خدم في معظم مناطق المملكة، وقد خدم قائدا لمخفر وادي السير سابقا كما أخبرني والدي.. ويحمل معالي نصوح المجالي شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي من الجامعة اللبنانية عام 1964م.. وقد تولى العديد من المناصب، ففي خلال الفترة 1964-1965 عمل أستاذا في الكلية العسكرية، وعمل في دائرة المخابرات العامة الأردنية، وفي 1973 عمل مديرا عاما لوكالة الأنباء الأردنية، وفي عام 1976 عمل مديرا عاما للإذاعة الأردنية، وفي عام 1985م وحد الإذاعة الأردنية مع مؤسسة التلفزيون الأردني في مؤسسة واحدة هي "مؤسسة الإذاعة والتلفزيون" وأصبح مديرا عاما لها، وفي عام 1989م تولى منصب وزير الثقافة والإعلام..
عندما تخرجت عام 1977م من الجامعة الأردنية التحقت فورا بالإذاعة الأردنية بعد الاختبارات اللازمة، وكان مدير عام الإذاعة آنذاك الأستاذ نصوح المجالي ومدير البرامج الأستاذ معاذ شقير ومدير الأخبار الدكتور محمد المصالحة والمدير الإداري الأستاذ علي كاحله ومدير الهندسة المهندس يوسف العريني وكبير المذيعين جبر حجات..
الأستاذ نصوح المجالي رجل له هيبة المسؤول، لا يجامل ولا يداهن ولا يحابي ولا يسمح بالانفلات الوظيفي، صاحب مدرسة في الإدارة، قامة باسقة، مفكر بمستوى عال، أستاذ في الإعلام، وله مدرسته الخاصة كان يراقب كل عمل بنفسه حتى الأغنية والكلمة والخبر والبرنامج، إذ كان يراقب البرامج بنفسه، ويجيزها ويعدل على النصوص بخطه الجميل وفكرة النير، كان يستمع لكل ما يذاع في الإذاعة ليلا نهارا، ويوجه وبنقد ويعدل ويعاقب. ولكنه رجل دولة يفهم ويتفهم أحوال الموظف والعامل، فقد كان يتخذ القرار بمعاقبة من يخطئ ثم يزيل الضرر على الموظف إما بإعطائه فرصة وإلغاء القرار بعد استدعائه وتوجيهه أو دفع الحسم من راتب الموظف من جيبه الخاص في أحيان كثيرة عندما يكون الخطأ غير مقصود.
وقد كان أول برنامج أعددته، وقد عرفني الأستاذ نصوح المجالي جيدا من خلال برنامج "بلدان وأحداث" وقد حدثت بعض الإشكالات حول هذا البرنامج المسموع جيدا في الأردن فحين كتبت حلقة عن الصحراء المغربية احتج سفير المغرب، وحضر إلى الإذاعة، فطلب مني عطوفة نصوح المجالي تحضير نفسي جيدا إن طلب مني مقابلة السفير في مكتبه، ولكنه استقبل السفير، وحل الإشكال دون تدخلي، وعندما كنت أعد برنامج " صفحة من تاريخ الأردن " اتصل معالي وزير الإعلام عدنان أبو عودة مع الأستاذ نصوح المجالي مدير الإذاعة بعد سماعه إحدى حلقات البرنامج وقال له: أوقف هذا البرنامج قائلا " لا يوجد للأردن تاريخ قبل عام 1921م" فاستدعاني عطوفة نصوح المجالي، وأخبرني أن الوزير أمر بوقف البرنامج، فقلت له بدون تفكير الحلقة القادمة التي ستذاع غدا ستكون عن الثورة العربية الكبرى، ونواصل التاريخ الحديث بعدها، ودون أن يتصل بالوزير أمامي قال لي " استمر في البرنامج" وسوى هو الموضوع مع الوزير.. وفي أكثر من اجتماع للجنة البرامج ذكرني ووصفني بأنني " شاب واعد" وأخذ يعتمد علي في اعداد البرامج الخاصة وبرامج المناسبات، وكان يراقب البرامج بنفسه، فيعدل ويضيف ويحذف، وحين ضم الإذاعة والتلفزيون في مؤسسة واحدة استعان بي في العديد من البرامج الخاصة والمناسبات للتلفاز الأردني منها برنامج “الأردن وعد وإنجاز “وبرامج الهاشميين ومناسباتهم والمناسبات الملكية للملك الحسين بن طلال، والبرامج الخاصة بمختلف المناسبات الأردنية والعربية والعالمية. وعينني نصوح بك آنذاك رئيسا لقسم الأرشيف والدراسات بعد مرور عامين على دخولي الإذاعة، وأرسلني إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية في دورة طويلة لمدة عام وشهر في عام 1980م، وحين عدت من ألمانيا عينني في دائرة الأخبار قسم التحرير، ثم عينني رئيسا لأكبر قسم في الإذاعة وهو قسم الرصد الإذاعي الذي كان يضم 43 موظفا جميعهم أكبر مني.. ثم رئيسا لقسم البرامج الخاصة والمناسبات إضافة لقسم الأرشيف والدراسات، وعندما أصبح وزيرا للإعلام والثقافة عام 1989م نقلني لوزارة الإعلام، وقرر أن يكون دوامي في دائرة المطبوعات والنشر، تمهيدا لتحويل مبنى السفارة البريطانية مركز أرشيف وطني لرئاسة الوزراء ووزارة الإعلام، إلا أنه لم يتمكن من إتمام المشروع لانتهاء فترة خدمته وزيرا للإعلام، ثم نقلت إلى وزارة الإعلام كاتبا للتعليق السياسي في زمن معالي الوزير محمد الخطيب، وكنت مع كمال أباظة ومحمد نويران تكتب التعليقات السياسية اليومية.
وللحقيقة والتاريخ، فإن معالي نصوح المجالي مفكر ومحلل من طراز رفيع وكاتب ذكي ومهني من طراز رفيع، وهو إداري قوي يحمي موظفيه، ويدافع عنهم، حتى لو أخطأوا دون قصد منهم، ولا يعرف الجهوية والشللية والإقليمية، ويؤمن بالكفاءة والإنجاز ويدعمها ويتبناها، ولذلك فإن بصماته واضحة في مسيرة الإعلام الوطني الأردني.. ومن طريف أسلوبه في الإدارة عندما يلتقي موظف في الكوريدور يوبخه ويسأله لماذا أنت هنا، ولذلك عندما يدخل الإذاعة يفر المسؤول والموظف من طريق آخر، ويلتزمون بأعمالهم هيبة واحتراما، وله جوانب إنسانية فهو لا يتعسف في استخدام سلطته الإدارية، وكان يزور مقسم الإذاعة للاطمئنان على موظفي المقسم والمراسلين، ويؤمن بالحوار والتشاور وهو رجل مثقف لا بعد الحدود عالم في مجاله.. التقيته ليلة الأمس في مناسبة فرح، والتقطت صورة معه للذكرى، فقد دفعني وشجعني ومكنني من أن أكون كاتبا إعلاميا وأستاذا في الإعلام لعشرين عاما في كليات الإعلام ومدربا في أرقى مراكز التدريب الإذاعي والتلفزيوني وأنا، وغيري مدينين له بمهنيتها العالية.