المدرسة "الهاشميَّة" .. طوق نجاة لإنقاذ "الجيل من الضَّياع"

mainThumb
المدرسة "الهاشميَّة".. طوق نجاة لإنقاذ "الجيل من الضَّياع"

15-08-2024 03:30 PM

printIcon

أخبار اليوم - بعدما قرعت المعلمة الجرس بواسطة عصا ضربت به علبة معلقة بساحة المدرسة، دخل الطلاب إلى فصولهم الدراسية، بصورة منظمة، ليكملوا يومهم الدراسي بعيدًا عن صور المأساة وعن انغماسهم بمعاناة ذويهم بتلبية متطلبات الحياة اليومية كتعبئة المياه وتوفير الطعام، ولم يكونوا بعيدا عن أصوات الصواريخ التي كانت أصواتها تسمع مسموعة لدى الطلاب كما كانوا يستمعون لصوت غارات الطائرات.

تتوسط المدرسة "الهاشمية" خيام النازحين في منطقة المواصي غرب محافظة خان يونس، وهي منسجمة مع واقع المعاناة التي تحيط بها سواء بشكلها المنشأ من الشادر، أو بكل أشكال المعاناة فالمبادرة ذاتية والمعلمات يعملن متطوعات بلا أجر، دفع إصرارهن على أن يكون لهن دور في إعداد الجيل ومواصلة العملية التعليمية جعلهن يتعالين بالانضمام للمدرسة.

والمدرسة "الهاشمية" مبادرة ذاتية أنشأتها المعلمة النازحة من شمال القطاع د. فداء الزيناتي في منطقة "المواصي" غرب محافظة خان يونس بهدف انقاذ العملية التعليمية في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تتكون المدرسة من مجموعة من الخيام الصفية إضافة لساحة خارجية.

ويدرس نحو 300 طالب وطالبة بالمدرسة موزعين على فترتين صباحية ومسائية من الصف الأول حتى الثامن تقوم بتدريس المنهاج الفلسطيني كاملاً.

في داخل كل خيمة التي تخلو من الكراسي والطاولات، يجلس الطلاب على الأرض ويتوزعون على شكل صفوف، أمام كل صف لوح يكتبون عليه، ورغم هذا الوضع إلا أنه لم يؤثر على قيمة المحتوى التعليمي المقدم، ولا على تقديم أساليب فريدة في إيصال المنهاج عبر الرسوم والاستماع واللوحات الزاهية التي تزين كل صف، والتي تقوم المعلمات بإعدادها بشكل يدوي.

ففي حصة التربية الإسلامية كانت المعلمة تقرأ قصة عن "الصدقة" بينما كان الصمت يعم الخيمة الدراسية وينجذب الأطفال للقصة التي غرست فيهم معاني شكر الله على نعمة المال من خلال الصدقة وتطهيره وحفظه.

أما في حصة اللغة العربية فأعدت المعلمة قصيدة كتبتها على ظهر كرتونة مساعدات، بخطٍ جميل مشكل بكل الحركات الإعرابية فقرأت: "كانت العصافير تطير فرحة بالجو الدافئ. فجأة هبة عاصفةٌ وسقط مطرٌ غزيرٌ. طارت العصافير لتختبئ. ولكن عصفورًا صغيرًا وقع على الأرض من شدة العاصفة فتناثر ريشه. فأصبح غير قادر على الطيران" ثم ناقشت الطلاب بنوع اللام في بعض الأسماء كتبتها على لوحات صغيرة، كما قرأ بعض الطلاب القصيدة.

بينما كان الطلاب يشاهدون القصيدة في حصة اللغة العربية، كان طلاب صف آخر يستمعون لقصة "نملة سليمان" عبر سماعة كانت أسلوب المدرسة في إيصال القصة، أما مدرسة اللغة الإنجليزية فرسمت الحروف على شكل خطوط على اللوح، وفي حصة أخرى كانت "النظافة" عنوان الدرس.

إنقاذ العملية التعليمية

قررت فداء الزيناتي وهي تعمل بالمدارس الحكومية منذ 14 عاما، إنشاء المدرسة بهدف انقاذ العملية التعليمية، وهي حاصلة على ماجستير المناهج وطرق التدريس وتكمل دراستها العليا في نيل درجة الدكتواره، أسمت المدرسة باسم "المدرسة الهاشمية" ارتباطنا بالنبي محمد واعتزازًا بانتمائها لغزة هاشم.

تؤكد الزيناتي علامات الارتياح ترسمها ملامحها على نجاح فكرتها، بأن العملية التعليمية انتظمت في المدرسة منذ شهر ونصف، وبدأ الطلاب يشعرون بالعودة لحياتهم واستقرارهم رغم ظروف الحرب، بحيث بدأ الطالب يمسك القلب من جديد ويكتب ويتخطى فترة الانقطاع الطويلة.

تقول وهي تجلس على مكتبها المقابل لساحة المدرسة: "نحاول تمكينهم من الكتابة الصحيحة. هناك تحسن بالقراءة، كما نحاول إضافة للتعليم تعديل سلوكيات الطلاب خلال هذه الفترة"، مؤكدةً، أن منهاج المدرسة وأساليب التدريس المتنوعة أدت لارتباط الطلاب بالمدرسة وانتظام الدوام بنسبة 100%.

وبفعل قلة الإمكانيات وغياب الدعم والإسناد، تعاني المدرسة من عدم توفر مرحاض أو مياه محلاة للأطفال، كما أن المعلمات متطوعات بدون أجر، مطالبةً، باحتضان المدرسة من جهات داعمة بهدف تطوير العملية التعليمية والمحافظة على استمرارها.

فيما تشعر مدرسة التربية الإسلامية فهيمة النجار بالسعادة الغامرة أثناء وجودها بين الطلاب، فتعتبر نفسها "مربية لا معلمة" تلتمس آثار جهدها في غرس مفاهيم الدين في نفوس الطلاب.

التحقت النجار التي كانت تشرح حصة عن أركان الوضوء أثناء إعداد التقرير، بالمدرسة الهاشمية لـ "انقاذ الجيل من الضياع بعد انقطاع فترة تسعة أشهر عن العملية التعلمية"، وتسعى جاهدة رفقة مجموعة من المعلمات المتطوعات على تحسين العملية التعليمية وتغيير سلوكيات الطلاب في ظل هذه الحرب والأزمة وإنشاء جيل واع ومثقف.

وتركت الحرب الوحشية كما ترى معلمة اللغة الإنجليزية أماني أبو هلال، آثارا بالغة على الطلاب أدت لتوقف التعليمة، مما دفعهم لإنشاء الخيم لإنقاذ الطلاب ورفع مستواهم التعليمي، آملة أن تتحقق الأهداف بإنشاء جيل جيد يكون فاعلا في المجتمع.

تشرح النجار التي كانت تقدم محاضرة عن أساسيات اللغة الإنجليزية عن أسلوبهم في التعليم، قائلة: "بدأنا معهم في التفريغ النفسي وعمل فعاليات وأنشطة نفسية بعد موجات النزوح المتكررة من منطقة إلى أخرى".

وأوضحت "بدأنا بمستويات تأسيسية بالتركيز على حروف اللغة، وبتعزيز الطلاب كطلاب وأن ننتصر على الحرب بالتعليم والقلم والكتابة، والتأكيد أن الشعوب تنتصر في العلم".

وأضافت المعلمة التي بدأت علامات السعادة والرضا بما تقدمه واضحة على ملامحها وصوتها "تخطينا الدافع النفسي من خلال تعلق الأطفال بالمدرسة وإقبالهم والتزامهم على التعليم، بالتالي تحسنت المستويات".

ما تحدثت به المعلمة أبو هلال، أكده الطالب حمزة الخطيب، بأن مستواه التعليمي زاد بعد انضمامه للمدرسة، كما لم يخفِ سعادته وحبه للمدرسة قائلاً وهو يحمل حقيبته بعد انتهاء الدوام المدرسي: "سعيدٌ لوجودي هنا، أحب التعلم وأحب زملائي والمعلمات".

مر الخطيب بظروف صعبة فوالده اعتقله جيش الاحتلال أثناء مروره على الحلبات، وبقيت آثار ذلك جاثمة على ذاكرته، لم ينسَ الليالي التي أمضاها على ذلك الحاجز قبل اعتقال والده وفاقمت معاناتهم هطول الأمطار، ورغم ذلك كان التعليم هو رده على معاناته ليتحد به الظروف.