قرية وعين صابر
معالم بيرين، قرية وعين صابر (الجزء الأول)..
عبدالله محمد الغويري.
إذا كانت بلدة بيرين الحالية هي بِمثابة جِذع شجرة ضخم، فهُنالكَ مجموعة من العُروق والأغصان المُتفرعة منها والتي تُمَثِّل معالم منطقة بيرين، من تلك الفروع قرية (صابر) الوادعة، التي اختارت أنْ تنفرد لوحدها كقرية أو (شِبْهُ قرية) بِسُكّانها وحِجارتها وكيانها.. ويعودُ السِّرُّ وراءَ ذلكَ إلى (عين الماء) المُتفجِّرة مِنْها.. وعَنْها.. وبِهَا..!!.
قرية (صابر) لا تُخْطِئُكَ.. إنْ كُنْتَ قادماً من جهة عَمّان تُصبح عين صابر على يمينكَ - بِمحاذاة طرف الوادي - بالقربِ من الشارع الرئيسي، وتَبعدُ عن مثلث بيرين الرئيسي حوالي واحد كيلو متر، تَصْطَفُّ منازلها حول الوادي كأنَّها خَرَزات عِقْد، ويتفاوت سُكَّانها بتواجدهم فيها مع الزمن.. فمنهم القديم.. ومنهم القاطِنينَ الجُدد.
عين ماء (صابر) مُنْبَثقة من بطن الوادي، مُفعمة بالرَّحابة، تتدفقُ بحنوٍ.. وتنسابُ بسلاسة.. تحصلُ على تغذيتها من أحد الفتحات في جبال منطقة (رجم الشوف).. هي فُوّهة الناس نحو الأرض.. وعين الأرض نحو السماء.. تُطَوِّقُها البيوت..وتَحرسُها الصخور الجيرية (الكلّسية).. ويُنَاجِيها صوت آذان مسجد صابر- الذي لايبعد عنها حوالي ٢٠٠ متر.
في جولتي لعين صابر- كان يرافقني أحد سُكّانها ومِنَ الذينَ ترعرعوا حولها - وهو (الشيخ نواف أحمد رشود الخلايلة)، سألته عن بعض التفاصيل.. وأخبرني عن بعض الأحداث التي شاهدها بنفسه أو سمعها من كبار السَّنَّ حول عين الماء. كان مشهد عين الماء مع العشب الأخضر المُحيط بها غايةً في الجمال.. أضف على ذلكَ الأجواء الغائمة المُرافقة للمنخفض الجوي - والتي لم تمنع وجود شخصين من أهل المنطقة كانوا يَحُومُونَ حول المكان برفقة أغنامهم.
تم وضع صُنْبُوريْنِ في جدار بئر العَيْنِ.. شربتُ منهما.. وتذكرتُ كلام (الحاجّ عبدالحليم أحمد رشود الخلايلة) عَنّها: - بأنَّها دافئة في الشتاء.. ويستطيعُ المرءُ أنْ يتوضأَ مِنْها بدون أي إحساس بالبرودة، وتذكرتُ كلامه أيضا بأنَّها عَذْبة جِداً.. وغير دَسِمَة (أي أنَّك تشربُ كميات كبيرة منها بدون الشعور بالتُّخْمَةِ أو الشَّبعِ) - وهذا ما جرَّبتهُ بنفسي أيضاً.
سُكَّان قرية صابر طيبيون.. في النَّهار هم جيران الوادي.. لكنَّهم في اللَّيل ينامونَ في غيمة.. عيونهم نصف تفاحة.. وقلوبهم خضراء يانعة مثل غابة استوائية.. يُكْرِمونَ الضيف..وينثرونَ المحبة على جوانب طُرقاتهم.. البَساطة تَطْفَحُ من قَسَمَات وجوهِهم.. تُحِبُّهم العصافير.. وتستأنِسُ بهم ظُلْمة اللَّيل.
يروي البعض أنَّ أولَ من سكن قرية صابر - في العصر الحديث - هم أفراد من عشيرة (الزواهرة).. وهم الذينَ اكتشفوا عين الماء فيها.. وسكنوا حولها، وتقول الروايات أنَّ أحد رُعَاة أغنامهم كان يُدعى (صابر) هو الذي اكتشفها لأول مرة، ومن هنا سُمَّيت عين الماء والقرية بإسمه.
رحلَ (الزواهرة) من قرية صابر قبل حوالي ١٠٠ عام - إلى منطقة (الكمشة وما حولها)، ثم سكنها أفراد من عشيرة (الخلايلة) بعد تقسيمات الواجهات العشائرية في فترات ما بعد تأسيس إمارة شرق الأردن (بعد تبادل المناطق بين الخلايلة والزواهرة)، ولا يزال (الخلايلة) يسكنونَ فيها حتى يومنا هذا.
بعض الروايات تقول أنَّ كلمة (صابر) هي تُركية الأصل، وأنَّ تسمية العين بذلك الأسم يعودُ إلى أواخر عهد الدولة العُثمانية في المنطقة، بالإضافة إلى ما يستحق ذِكرهُ عن بعض كبار السِّن والمُعَمِّرين عن بعض الآثار والمعالم التي شهدت حضارات سابقة في قرية صابر - والتي سنرويها في حلقات قادمة إن شاء الله، أضف على ذلكَ قصة مُتعهد البناء الذي وجدَ شيئاً غريباً ولم يُكْمل عَملهُ في ترميم عين الماء.. وهذا أيضاً ما سنسردهُ لاحقاً ان شاء الله.
يتبع الجزء الثاني...
في النهاية أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى:
الحاجّ عبدالحليم أحمد رشود الخلايلة (ابو رعد).
الحاجّ علي أيوب رشود الخلايلة (ابو عبدالله).
الشيخ نواف أحمد رشود الخلايلة (ابو أحمد).
[هذا المقال هو اهداء إلى كل الحناجر التي شربت وارتوت من ماء عين صابر (الأحياء منهم والأموات) .. وأخصُّ بالذكر جيراننا واصدقائنا من عشيرة الخلايلة]