أخبار اليوم - تثير العلاقة مع الأشخاص النرجسيين العديد من التساؤلات حول إمكانية بناء علاقات صحية وسليمة. من أكثر هذه الأسئلة انتشارا: هل يستطيع الشخص النرجسي أن يبني علاقة زوجية ناجحة؟، يأتي ذلك بسبب عدم فهم صفات وسلوكيات هذه الشخصية وتأثيرها على العلاقات.
عرين (33 عاما) تتحدث عن مرارة ما اختبرته مع زوجها، حيث اكتشفت مع الوقت امتلاكه لصفات نرجسية جعلت الحياة صعبة للغاية معه. تذكر عرين البدايات وكيف سحرها بكلامه واهتمامه وحبه، وشيئا فشيئا عزلها عن دائرتها الاجتماعية ليكن هو محور حياتها، ومع الوقت بدأ يفرض سيطرته عليها ويتلاعب بمشاعرها.
دائما ما يشعرها بأن اي خطأ يحدث هو من مسؤوليتها والتقصير يأتي من جهتها كما وأنه يتجنب التواصل والحوار معها كعقاب طويل المدى.
وتعترف عرين انها بالبداية كانت ترضخ له وتسعى لترضيه ولكن مع الوقت بدأت تشعر بالظلم وبدأت ثقتها بنفسها تتراجع وتقول "شخصيتي صارت مهزوزة والشعور بأنني انا المقصرة بالرغم من انه امر غير حقيقي جعلني أفكر وأعيد ترتيب أولوياتي معه".
وتبين عرين انها استسلمت ولم تعد تبدي اي ردة فعل والسكوت كان قرارها هربا من المشاكل والتوتر، ولأنها تريد المحافظة على زواجها وبيتها.
بينما ياسمين (28 عاما) كانت شخصية زوجها النرجسية السبب في انفصالها عنه بعد سنتين من الزواج وتقول "زوجي كان شخصا يعنف لفظيًا بأقسى الكلمات، وكان من الطبيعي بالنسبة له ان يبقى لأسابيع في حالة صمت دون التحدث معي حتى وإن كان هو المخطئ، وهو الأمر الذي لم تستحمله على حد قولها.
وتعترف ياسمين انه بسبب شخصيته النرجسية تغير شعورها تجاهه من الداخل كما قلت ثقتها بنفسها وهذا الذي جعلها تعيد التفكير في هذا الزواج وبدأت تقتنع ان الابتعاد عنه ضرورة. تقول "لم أشعر معه بأمان دائما هنالك إهانات واستفزاز.. أنا اعطيت فرصة للعلاقة اكثر من مرة لكن قرار الانفصال كان الحل الأفضل".
ووفقا لنظرية عالم النفس سيغموند فرويد عن اضطراب الشخصية النرجسية التي أوضحها في أطروحته التي نُشرت عام 1914 بعنوان "مقدمة إلى مفهوم النرجسية" فإن الشخص النرجسي يتميز بالغيرة من الآخرين، والعجرفة عليهم، وفرط الحساسية تجاه آرائهم، وعدم تقبلها، بالإضافة إلى السخرية منها، فيعتقد الشخص بتميزه وفرادته عن غيره، إذ يمتلك شعورا متضخما بأهميته، ويستحوذ عليه وهم النجاح والتألق والانشغال في المبالغة بإنجازاته.
المعالجة النفسية واستاذ مشارك في قسم الارشاد النفسي في جامعة فيلادلفيا الدكتورة لينة عاشور بينت انه ليس كل شخص يمتلك صفات الشخصية النرجسية يعني انه يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية.
وأوضحت عاشور أن كثيرا من الأفراد يحملون بعض الاضطرابات الشخصية بصفاتها وخصائصها، ولذلك من المهم ألا نقرر بأنفسنا أننا مرتبطون بشخصية نرجسية أو لا، فقد يكون الشخص لديه بعض صفات هذه الشخصية، ولكن هذا لا يجعله "نرجسي".
وضمن (DSM-5) المعدل والذي يعتبر أحد اهم المرجعيات العلمية للتعرف على الاضطرابات النفسية هنالك مجموعة من الخصائص موجودة ضمن الشخصية النرجسية اذ اكتمل 5 او أكثر منها يتم تشخيص الفرد بانه "نرجسي" ولديه اضطراب هذه الشخصية. وتشير عاشور إلى ان الشخصية النرجسية تظهر خصائصها بانها بحاجة للاهتمام والاعجاب ولديها نقص في التعاطف وهذا يظهر في مراحل متقدمة من مرحلة الرشد، بالاضافة إلى ان لديها مفهموما مضخما للذات ومبالغة في التركيز على انجازاتها.
ويتوقع النرجسي ان يتم التعريف عنه كشخص لديه افضلية وأحقية وانه افضل من الآخرين بحسب عاشور، من دون ان تكون هنالك ادلة عملية تثبت ذلك، لافتا إلى انه ينشغل دائما بأفكار عن النجاح والقوة والابداع والجمال وحتى طريقته في الحب مثالية.
ويؤمن الشخص النرجسي بأنه مميز وفريد من نوعه بحسب عاشور، وفقط يتم فهمه من اشخاص يماثلونه ويجب ان يتفاعل ويصادق من يماثله او اعلى منه.
وتشير عاشور إلى أن النرجسي لديه شعور "الاستحقاقية" وان كان لا يستحق فهو لديه توقعات غير عقلانية، وبأنه يستحق معاملة خاصة وافضلية مقارنة بغيره فهو ماهر باستغلال الآخرين والاماكن والأشياء لمصلحته.
وتذكر عاشور ان النرجسي لديه مشكلة في التعاطف فلا يتعرف على مشاعر الآخرين واهدافهم او حاجاتهم ويعتقد ان الآخرين يغارون منه وذلك يظهر باتجاهاته وسلوكه وطبيعيته. وتتابع عاشور بأن مرحلة ادراك الشريك ان الطرف الآخر نرجسي تتطلب الانتباه لبعض العلامات، اهمها أن ليس لديه قدرة على التعاطف.
ومن جهة آخرى فإن النرجسي يشكك الشريك بالحقائق ويجعله يتساءل "هل أفكر بشكل صحيح؟ وهل أنا المخطئ؟".. وكأنّه يحاول ان يدمر مفهوم الآخرين عن ذاتهم.
وتؤكد عاشور ان الشخص النرجسي ذكي كفاية بحيث يحصل على حب الشريك خاصة في بداية العلاقة ويشعره بأهميته من خلال الهدايا وكمية هائلة من المشاعر ويشعره أنه مميز ويبذل مجهودا ووقتا ومالا من أجل ذلك وكأنها طريقة ليغطي الحقيقة الكاملة داخله والتي تظهر بعد ذلك.
وتلفت عاشور إلى ان النرجسي حقود في حال شعر بالانتقاد لأن ذلك يلامس مخاوفه الحقيقية، وعند حدوث خلاف، يهمه ان يُشهد الآخرين على ذلك بمعنى يحضر طرفا ثالثا ويبدأ بإقناعه ان وجهة نظره هي الصحيحة.
وتشير عاشور إلى انه عند الزواج من شخص نرجسي تظهر المشكلة بالسيطرة على الشريك فهو لديه خوف من ان يتم نبذه او رفضه، وهذا يجعله يشعر بضرورة إحكام السيطرة ويكون المصدر الوحيد للمساعدة والعطاء والحب، بالإضافة إلى انه يتحكم بالقرارات التي يتخذها الشريك ويشعره ان قراراته خاطئة، وانه بحاجة لاتخاذ القرارات عنه.
ووفق عاشور فإن الأشخاص الذين يحملون الصفات النرجسية لديهم المهارة في التقليل من قيمة الآخر، ويدخل الشريك في دائرة مغلقة لا يستطيع الخروج منها، لانه هنالك مراحل من دائرة التعنيف يتبعها اولا مرحلة الاعجاب والحب المطلق، والمرحلة الثانية يبدأ بالانتقادات والتشكيك بالحقائق والمقارنة بالآخرين باستخدام الالعاب الذهنية والمراوغات.
بينما في المرحلة الثالثة يعود ليصبح شخصا لطيفا ويشعر الشريك انه لا يستطيع العيش من دونه وانه مهم بالنسبة له. وفي المرحلة الرابعة يبدأ برفضه ويشعره انه اساء له ويريد التخلص منه ويجعله يشكك بالحقائق وان الامور التي يفعلها غير منطقية وعقلانية.
وبناء على الاولويات يقرر الشريك هل يستمر بالعلاقة أم لا، وفق عاشور، وان كان القرار هو الاستمرار، فعليه الانتباه لبعض الامور، واهمها ألا يظهر ردة فعل إذ إن النرجسي يتغذى على ردة الفعل الانفعالية التي تصدر وتشعره انه مسيطر في كل شيء.
وتشدد عاشور على ضرورة تجنب المواجهة المباشرة لأن النرجسيين حساسون لأي نوع من انواع النقد وغالبا سيكون هنالك ردود فعل غاضبة، مع اهمية المحافظة على الحدود، فالنرجسيون بشكل عام يكسرون الحدود مع الآخرين ويضعون اولوية لأنفسهم بغض النظر عن اي شخص آخر، وبالتالي الشريك يجب ان يضع لنفسه اولوية وهو امر صعب وليس سهلا ولكن عليه أن يدافع عن نفسه.
وتؤكد عاشور ان الشريك بحاجة الى ان يذكر نفسه ان الذنب ليس عليه وانه لم يفعل شيئا خاطئا، وهو بحاجة أن تكون لديه بطانة داعمة من الاهل والاصدقاء يتحدث معهم للخروج من الدائرة المغلقة الخاصة بالنرجسي.
ومن المهم الحصول على المساعدة من خلال اللجوء لأطباء ومعالجين نفسيين، تقول عاشور "لا نستطيع تغيير الشخصية النرجسية ولكن نستطيع العمل على العلاقة نفسها بحيث تصبح افضل"، والأهم ان يعلم الشريك متى يستطيع ان يستمر بالعلاقة ومتى ينهيها.
من الجانب النفسي تبين الاختصاصية النفسية عصمتحوسو ان أغلب الرجال في العالم وبالذات في المجتمع العربي لديهم سمات نرجسية وهذه السمات تختلف عن الاضطراب. وهؤلاء لديهم فكرة الاستعلاء والسيطرة. وتشير حوسو الى ان أسوأ انواع الشخصيات للعيش معها هي النرجسية خاصة اذا كانت السمات عالية ووصلت الى مرحلة الاضطراب، وغالبا اذا كان الرجل يعاني من النرجسية في العلاقة الزوجية فتكون الحياة "قاتلة" وموتا بطيئا للعلاقة.
ووفقا لذلك فإن الشخصية النرجسية في بداية كل علاقة تقدم كل الحب والاهتمام دفعة واحدة بعد ذلك تبدأ بسحبه وتظهر الانانية المفرطة والانتقاد اللاذع.
وبحسب حوسو فإن المرأة التي تعيش مع نرجسي تعيش حالة تعب شديد لانها في البداية لا تستطيع الاستغناء عنه، فهو يعطي كل الحب بلحظة ويسحبه بلحظة.
وتوضح حوسو ان الشخصية النرجسية لا تتقن التعاطف اطلاقا مع الآخرين وتتغذى على الناس البسيطة والتي تحقق مصالحها.
ومن صفات واسلوب الشخصية النرجسية التهديد والتخويف والابتزاز والاستغلال والتلاعب بالآخرين بحسب حوسو، وحب السيطرة وقد يتعرض لاكتئاب اذا همشه أحد ولم يعطه الاهتمام وكذلك هو مبدع في العنف اللفظي والابتزاز العاطفي، اذ يشعر الآخر دائما بالذنب وأنه دائما على حق.
وتنصح حوسو بأن يتعامل الآخر مع الشخصية النرجسية بالثبات على الموقف وعدم إلغاء الشخصية بالذات في المواضيع الاساسية والمصيرية، وعدم الخوف من هذه الشخصية لانها وان بدت قوية ولكنها من الداخل هشة. كما اتفقت حوسو مع عاشور في اهمية اتقان وضع الحدود العاطفية المناسبة مع النرجسي لكي لا يتعرض للابتزاز، وهكذا يحمي الفرد نفسه من استنزاف الطاقة او ان يسمم مشاعره لذلك الرسمية ومسافة الامان تحميه.
وتشدد حوسو على انه عند فقد الامل من التعامل والتواصل مع الشخصي النرجسي يجب الذهاب لطرف ثالث محايد ويفضل ان يكون مختصا، وهكذا يمكن معرفة كيفية التعامل معه والشريك يتعلم كيف يتجاهل هذه الشخصية من خلال "الحرب الباردة" فهي افضل سلاح للتعامل معه وتجعله يشك بقدراته.
وتنوه حوسو أن لكل علاقة اسلوبها الخاص وهذا يعتمد على درجة الشدة والحده لوجود سمات نرجسية أو اضطراب نرجسي عند الفرد. واهم أمر يمارسه النرجسي "الصمت العقابي" ونحن كمختصين هنا نعلم السيدة كيف تمارس هي أيضا "الصمت العقابي" على الرجل النرجسي وكيف تخفف نوبات الاهمال او الاذى بحيث تكون هي من الداخل لديها مناعة عالية وتعلم كيف تتعامل اذ أرادت ان تبقى مع هذا الشخص.
الغد