كيف أصبح رمضان موسمًا دراميًا بعيدًا عن مقاصد الصوم؟
فاطمة الزهراء - يأتي شهر رمضان الكريم ليقرب العباد من خالقها، وتذكرةً للناس من غفلتهم طوال أشهر العام، فيكون بمثابة جرعة إيمانية مكثفة تتوزع على يوم المسلم ما بين صوم ودعاء مستفيض فترة الغروب وتراويح وتهجد واعتكاف في أواخر الشهر، ما يجعل المرء يخرج من رمضان بغير القلب الذي دخل به.
ولا يقتصر رمضان وإن غلبت عليه الروحانيات والأجواء الإيمانية من التزاور وصلة الرحم والاجتماعات العائلية على الإفطار والسهرات، إضافة إلى الترفيه الهادف من برامج أو جلسات، في محاولات للترفع عن الملهيات والسفاسف وتوافه الأمور، إلا أن قنوات الدراما والمسلسلات لها رأي آخر في رمضان فهي تراه سوقًا خصبة لعرض بضاعتها، التي في عصرنا هذا جانبت الأخلاق والقيم واتخذت السفه والانحطاط مرتعًا تشغل به رمضان المسلم.
مدير إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية السابق، الدكتور نسيم أبو خضير بيّن لـ"أخبار اليوم" أن رمضان ضيف كريم، وشهر عظيم، فيه يغفر الله السيئات، ويتجاوز عن الخطايا ، ويعتق فيه الرقاب، رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، رمضان شهر محبة وتعاطف، وشهر صلةٍ للأرحام، لكن للأسف أن هنالك مؤثرات استطاعت أن تاخذ البعض من دائرة الإيمان إلى دائرة اللهو من خلال متابعة ومشاهدة محطات التلفزة والفضائيات الكثيره وحتى "السوشيال ميديا" من خلال ما تقدمه من أعمال فنية ودرامية، أخذت منحىً مغايرًا له تداعيات على قدسية هذا الشهر.
وتابع "فشهر رمضان شهر عبادة وليس شهر مسلسلات فيها إضاعة للوقت وإفساد للأخلاق، "حتى أننا نجد البعض في اليوم التالي بدل التسبيح والاستغفار وقراءة القرآن والدعاء وتذكير بعضنا البعض بعظمه هذا الشهر وفعل الخيرات فيه، يتحدثون عن مشاهده هذه المسلسلات، ويبدأ يسرد أحداثها، والبعض يصبح لديه إدمان في متابعه التلفاز والانترنت في شهر رمضان، لأنه يريد أن يقتل وقته بمتابعتها بعيدا عن أي مظهر من مظاهر العبادة التي شرع الله الصيام من أجلها".
(معنى الصوم في رمضان)*
يظن الكثيرون أنهم بالامتناع عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى مغيبها حققوا مقاصد الصيام وأتمّوا العبودية وبلغوا تمام الالتزام بعبادات رمضان واشتراطات الصوم، إلا أن مفهوم الصوم فضفاض يمتد لأبعد من ذلك فيوضّح الدكتور أبو خضير في هذا السياق أنّ رمضان مدرسة، يتعلم فيها العبد الصوم، ليس فقط عن الطعام والشراب والشهوة، بل مدرسة يتعلم فيها العبد المسلم أن يصوم عن المباحات والمحرمات، وأن يمتنع عن الغش، والخداع، يتعلم في رمضان البعد عن الغيبة والنميمة في السر والعلن، قبل أن يلقى الله سبحانه وتعالى ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: " كلُّ عَمَل ابن آدَم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجْزِي به، والصيام جُنَّة " يعني وقاية "، فإذا كان يوم صوم أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ فإن سَابَّهُ أحَدٌ أو قَاتَلَهُ فليَقل: إنِّي صائم...
في شهر رمضان تصوم الأرجل أيضا عن المشي إلى الحرام، تصوم عن السير في طريق الضلال، والذهاب والإياب في الطرق الذميمة التي يمقتها الله سبحانه وتعالى.
وتصوم الأيدي عن سفك الدماء وقتل الأنفس البريئة، تصوم عن السرقة والاختلاس، والرشوة، والضرب وما إلى ذلك، والعين تصوم في شهر رمضان بغضِّها عن محارم الله عز وجل وإغماضها عن الفحش، فالله تعالى يقول: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ..) على الصائم أن يحفظ بصره أثناء عمله، وفي سوقه وبيته، فيتم حفظ البصر في البيت عن طريق البعد عن متابعه المسلسلات الهابط، التي تعْرِضُ المشاهد الساقطة من فجور ومجون.
(الدراما وتأثيراتها في رمضان على المجتمع)*
ما إن يهل هلال شهر رمضان، حتى تتسابق القنوات التلفزيونية بتقديم البرامج والمسلسلات والأفلام، وكأن شهر رمضان ميدان سباق لهذه المسلسلات والأفلام، وللأسف أن بعض هذه المسلسلات والأفلام والسهرات والخيم الرمضانية توظَف لإشغال الناس عن عباده الله.
علّق الدكتور أبو خضير قائلًا: لاشك أن هنالك برامج ومسلسلات وأفلام، تبثها القنوات التلفزيونية في رمضان، تتحدث عن فضائل الأعمال وتشجع على فعل الخيرات ساعيةً لنشر الفضيله ومحاربه الرذيلة، لكن في المقابل هناك مسلسلات وأفلام وبرامج ليست بالمستوى المطلوب، ولا بالمستوى الذي يليق بالشهر الفضيل، أغاني ماجنة، مسلسلات وأفلام هابطه رقصات، أفكار ضالة، حتى غيروا صورة الخيم الرمضانية، بدل أن تكون هذه الخيم للندوات الدينية، والتوجيه وإعطاء الناس جرعة إيمانية، باتت هذه الخيم للرقص واللهو.
ولذلك نجد المسلم يفطر وقت الأذان على نعم الله سبحانه وتعالى، وهو يشاهد برامج هزيلة، مسلسلات فكاهية هابطة.
نحن لسنا ضد المسلسلات والدراما الهادفة، بل نشجع الفن الراقي والدراما الهادفة، ونشجع الفنان الممثل الذي يقوم بمثل هذه الأعمال، نستطيع أن نوظف الدراما في توثيق صلة العبد بخالقه، لكن في ظل انتشار القنوات الفضائيه الرهيب.
واسترسل أبو خضير، بالله لو سألنا سؤالًا: هل يتناسب ما يطرح في الفضائيات من برامج مسلسلات وأفلام وما يُعرض من سهرات رمضانية، وخيم مع شهر رمضان وحرمة هذا الشهر؟
ومن يشاهدها هل يحقق التقوى التي فرض الشهر من أجلها؟
الله سبحانه وتعالى يقول : " لعلكم تتقون" أيعقل أن يتضاعف في هذا الشهر الفضيل الإثم والعصيان بدل مضاعفه الحسنات؟
أقول لمنتجي هذه البرامج والمسلسلات، وخاصه منها المدبلج الذي يأتينا من الخارج، أقول لمن يعكفون على إنتاجها خصيصاً لشهر رمضان، اتقوا الله فيما تنتجون، ولماذا لا يتم إعداد هذه المسلسلات وهذه الأفلام وهذه البرامج لتوثيق صله الصائم بربه وبمجتمعه حتى يزداد قرباً من الله سبحانه وتعالى، ويزداد محبه ووداً وصله مع أفراد مجتمعه؟!
وصدق الله إذ يقول : ( والله يريد ان يتوب عليكم ، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما ).
(الرقابة والتوعية للنفس والأبناء بمعاني الصوم وضوابطه)*
على الصائم كما أنه استطاع كبح نفسه عن المباح والحرام في نهار رمضان، فلما لا يكبح نفسه عن الحرام في ليالي رمضان، إذا جاهد نفسه في نهار الصيام على الطاعة؟ فلماذا لا يستمر هذا في ليالي رمضان؟ بقراءه القرآن وقيام الليل، والتسبيح والدعاء.
وعلى الأسرة مسؤولية في توجيه أبنائها، وأن يكون الأب والأم قدوه صالحة لهم، يقول عليه الصلاة والسلام " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والأم راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ".
فإذا كان الأب أو كانت الأم يتابعون هذه المسلسلات وهذه الأفلام والبرامج الرخيصة، فكيف للأبناء أن يخرجوا صالحين بارين ملتزمين بمنهج الله؟! الصوم لا يعني صوم المعده فقط، الصوم هو: امتناع اللسان والعقل والحواس عن ارتكاب المعاصي والذنوب والآثام، لتحصل الطمأنينة للنفس، والراحة للقلب.
الله سبحانه وتعالى يباهي ملائكته بعباده في رمضان، هؤلاء عبادي الذين تركوا طعامهم وشرابهم وشهوتهم من أجلي، وهي عبادة سرية تدل على الإيمان والإخلاص لله سبحانه، لأن الإنسان يستطيع أن يدخل لبيته وياكل ويشرب بعيداً عن أعين الناس، ثم يخرج إليهم ويقول: أنا صائم ، ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به" وجعل الله سبحانه وتعالى باباً خاصاً للصائمين يدخلون منه إلى الجنة يوم القيامة، إنه باب الريان، فاللهم اجعلنا ممن يدخل الجنة من باب الريان.