عبدالهادي راجي المجالي
... ذات يوم كنا في دعوة عشاء، وثمة صبية وظيفتهم حمل (الجميد) وسكبه على أطراف المنسف لأجل الحاضرين....
كان من بينهم فتى لا أظنه قد تجاوز ال(13) من العمر، متحمسا جدا كان يريد تقديم الخدمة للمدعوين على الوليمة، شاهدته وهو يندفع لحمل إبريق الشراب وخدمة الناس...
الفتى جميل ووسيم، ويبدو أنه يريد أن يلتحق بركب الرجولة مبكرا...المهم وضعت المناسف على الطاولات واندفع الصبية (بالأباريق) ومنهم هذا الفتى..وكلما أراد أن يسكب قليلا من الشراب للحاضرين، بدأت الأصوات تطارده هي لم تكن أصواتا ولكنها عبارة تتردد في كل وليمة وهي (ع المواكل)...ويقصد منها القائل توجيه الفتية لسكب الشراب على أطراف المنسف.
كان الفتى كلما هم بسكب الشراب، تطارده الأصوات فيرتبك..وبالتالي يسقط نصفه على الأرض والنصف الثاني يتناثر على المنسف...حاول أن يترك المنسف المجاور ويأتي لمنسفنا هروبا من التعليمات الصارمة، ومن صراخ صاحب الدعوة..ولكنه في اللحظة التي أراد فيها سكب الشراب لي، صرخ به صاحب الدعوة مرة أخرى بصوت عال (ع المواكل).. وهذه الصرخة أدت لارتباك حاد في سلوك الفتى، وبالتالي نصف الكمية انسكبت على قميصي والنص الاخر على بنطال رجل كان يقف بجانبي على المنسف.
تلقى بعدها توبيخا حادا جدا، وتمت إعادة (الايعاز) والصراخ من جديد (ع المواكل)...بالفعل أنت تشعر أن هذه الجملة هي بمثابة إيعاز عسكري وتشعر أن الفتية يشبهون حملة الأعلام في المسيرات العسكرية، لكن الإختلاف أنهم يحملون الشراب.
في النهاية لم يتمالك الفتى نفسه وقذف الإبريق في الهواء، ثم هرب من الوليمة كلها، وحاول بعض الفتية الملتحقين بسرية المراسم التابعة للوليمة مطاردته..ناهيك عن أن (المعزب)..رماه بالعقال، ولكن الرمية لم تكن صائبة...وأثناء هروبه
شتمنا جميعا.يبدو أنه كان مستجدا وقليل الخبرة، ولكن الصرخات والتعليمات جعلته يخرج عن طوره ويتصرف هكذا.
أنا من حزب (ع المواكل)....من حزب الإيعاز المسبق والتعليمات الصارمة، وكل ما فعلته في العمر هو أني رفضت (التشريب ع المواكل) فعاقبوني...الفتى استطاع أن يهرب، ولكني لم أجد منفذا ولا بابا للهروب...
من يعتقد أني أكتب مقالا يوميا، أظنه أخطأ في تقدير الحالة..أنا لا أفعل ذلك أبدا كل ما أفعله هو أني (بشرب ع المواكل)...فقط هذا ما أفعله وغير مسموح لي بالإقتراب من الطعام..فقط وظيفتي (التشريب).