اخبار اليوم - عادت المخابز للعمل في شمال غزة، ولكن المجاعة لا تزال تهدد السكان رغم زيادة الإمدادات.
وتسير أسماء البلبيسي لمدة ساعة يوميا كي تصل إلى أقرب مخبز لها لجلب خبز لأطفالها وأقارب آخرين في مناطق بشمال غزة.
ويمكن أن يكون الطريق خطيرا، إذ أنه يمتد عبر شوارع تتراكم فيها أنقاض مبان مدمرة ويتعذر على السيارات المرور فيها وفي ظل استمرار القتال بين حين وآخر بين (حماس) والقوات الإسرائيلية. وتظهر الرحلة التي تقطعها أسماء حاجة سكان غزة الماسة للخبز من أجل درء الجوع القاتل.
تقول أسماء "قبل ما يفتحوا المخابز كنا نجيب والله طحين الذرة هذا اللي بينعجنش، يعني زي الحطبة بيصير لك بسكوتة، يعني يوم، يومين، مبيتاكلش بتجرشه جرش زي البسكوتة، حتى بيتغمسش فيه، بالشاي بينبلش، طحين الذرة وعلى النار يعني، إيش تظلنا نعمل، لما تلاقيلك حطب كمان، فش، مش متوفر الحطب حتى كمان والغاز غالي، فش غاز".
وعندما افتتح أول مخبز باستخدام دقيق القمح (الطحين) والوقود المقدم من برنامج الأغذية العالمي، احتشد المئات في طوابير طويلة تمتد للشوارع القريبة بين أنقاض المنازل. وتعين على المخابز توظيف عشرات المشرفين للحفاظ على النظام.
وتم الآن افتتاح عدد قليل من المخابز التي يعمل بعضها 24 ساعة في اليوم. ومع أن الطوابير أصبحت أقل الآن تقول أسماء إنه لا يزال عليها أن تنتظر 20 دقيقة على الأقل يوميا للحصول على كيسين من الخبز لعائلتها الكبيرة.
فإعادة تشغيل مخابز غزة وضمان انتظام الإمدادات التي تحتاجها من الدقيق والمياه والوقود أمر حاسم لوقف تفشي المجاعة عبر القطاع الصغير المكتظ بالسكان بعد مرور ما يقرب من سبعة أشهر على اندلاع الحرب.
وبدأت الحملة العسكرية البرية والجوية الإسرائيلية في أعقاب اقتحام مقاتلي حماس للسياج الحدودي مع إسرائيل في السابع من أكتوبر في هجوم أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 253 آخرين بحسب الإحصاءات الإسرائيلية.
وحوَل الهجوم الإسرائيلي معظم غزة إلى أطلال وأسفر عن مقتل أكثر من 34500 شخص حتى الآن، وفقا للسلطات الصحية في القطاع الذي تديره حماس، وترك جميع الناجين تقريبا معوزين بلا مأوى.
ويعتمد سكان غزة بشكل أساسي على الخبز في طعامهم برغم أن الكثير من المواد الغذائية الأخرى كانت متوفرة قبل الحرب، من الخضراوات المزروعة محليا والدجاج والغنم والأسماك الطازجة والأغذية المعلبة المستوردة.
وأعلنت إسرائيل في بداية الحرب عن حصار كامل للقطاع. وعلى الرغم من أنها بدأت بعد ذلك في السماح بدخول بعض المواد الغذائية فإن وكالات الإغاثة، بما في ذلك تلك التي تديرها الأمم المتحدة، قالت إنها لا تفعل ما يكفي لتسهيل دخول الإمدادات وتوزيعها.
وتقول إسرائيل إنها لا تضع أي قيود على الإمدادات الإنسانية للمدنيين في غزة وتحمل الأمم المتحدة مسؤولية بطء توصيل المساعدات قائلة إن عملياتها غير فعالة.
لكن مع ظهور جيوب مجاعة في غزة ووفاة بعض الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف، وفي ظل معاناة الناس من الجوع في أنحاء القطاع، زاد حتى أقرب حلفاء إسرائيل الضغط عليها لبذل جهود أكبر للسماح بدخول الغذاء.
وبدأت المساعدات تتدفق بكميات أكبر إلى شمال غزة هذا الشهر بعد أن فتحت إسرائيل معبرا جديدا، وقام برنامج الأغذية العالمي بتزويد المخابز باحتياجاتها في إطار جهود أوسع.
لكن وكالات الإغاثة تحذر من أن كل هذا لا يكفي لإنهاء الكارثة الإنسانية هناك، وقال برنامج الأغذية العالمي الأسبوع الماضي إن شمال غزة لا يزال يتجه نحو المجاعة.
ويلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع زعماء إسرائيليين اليوم الأربعاء لبحث سبل إيصال المزيد من المساعدات إلى غزة بعد أن حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من "مجاعة من صنع الإنسان يمكن تفاديها تماما" في شمال قطاع غزة.
إمدادات المساعدات
أعيد فتح أول مخبز كبير في شمال غزة يوم 13 أبريل وهو أحد خمسة مخابز كانت تديرها شركة مخابز كامل عجور التي تصنع الآن الخبز البلدي وأرغفة السندويشات لبيعها بسعر مدعوم.
وقال كرم عجور مسؤول مراقبة الجودة في المخبز "تعرضنا لأضرار كبيرة، إحنا عندنا خمس أفرع تقريبا وفيه كمان نقاط أخرى، الأغلب كان تعرضت للدمار الكامل والجزئي. وقدرنا الحمد لله يعني نشغل المكان هدا ونقدر ننتج يعني بشكل كامل".
ولإعادة فتح المخبز، كان على العمال إنقاذ الآلات من فروع مختلفة، دُمرت أو تهدمت جزئيا بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية، ونقلها إلى الفرع الوحيد الذي قرروا إعادة فتحه بدعم من برنامج الأغذية العالمي.
ومع زيادة الطلب على الخبز من مئات الألوف الذين ما زالوا يعيشون في شمال غزة، قرر أصحاب مخابز عجور تشغيل المخبز على مدى 24 ساعة وتركيب خط إنتاج ثالث هناك إلى جانب الخطين الموجودين.
ويعد توفر الدقيق والوقود اللازم لتشغيل المخبز أمرا حيويا.
وعمليات إيصال المساعدات إلى شمال غزة أكثر تعقيدا بكثير من تلك التي يتم إيصالها للأجزاء الجنوبية من القطاع القريبة من معبري رفح وكرم أبو سالم.
ففي شهر مارس قُتل أكثر من 100 شخص خلال محاولة لإيصال مساعدات في الشمال. وفي أبريل نيسان قتلت غارة إسرائيلية عمال إغاثة أجانب في قافلة كانت تحمل مساعدات غذائية إلى شمال غزة. وتعرضت بعض قوافل المساعدات لمهاجمة أشخاص تمكن منهم اليأس والجوع.
ووظفت مخابز عجور عمالا للتعامل مع شحنات المساعدات التي يرسلها برنامج الأغذية العالمي إلى ساحتين في مدينة غزة ونقلها بأمان إلى المخبز.
وعندما سُئل عن شعوره بعد إعادة فتح المخبز، قال كرم عجور إنه واحد من الناس ويشاركهم مشاعرهم وحاجتهم للطعام.