د . خالد الوزني
الذكاء الاصطناعي التوليدي أو ما يُطلَق عليه Generative AI، نوع متطوِّر من استخدامات الذكاء الاصطناعي يقوم أساساً على تطوير نماذج ذكية معتمدة على كميات هائلة من البيانات لإنتاج محتوى جديد أصلي، سواء كان نصاً أو صورة أو موسيقى أو حتى برامج عمل. وقد بات واضحاً استخدامُه في مجالات الفنون، والإعلام، والتسويق، والعلوم البحتة، والصناعة.
وفي المجالين الأخيرين، بات الذكاء الاصطناعي التوليدي يعمل بشكل واضح في مجالات اكتشاف أدوية جديدة وتصميم مواد جديدة، وفي تصميم المنتجات وتحسين العمليات الإنتاجية. بيد أنَّ دراسة حديثة لمجموعة مكينزي McKinsey أظهرت أنَّ نحو 40% من ساعات العمل في الصناعات سيقوم بإنتاجها الذكاء الاصطناعي، وأنَّ صناعة المحتوى الرقمي، البرمجة والتشفير الرقمي، سترتفع كفاءتها بما يزيد على 55% عبر استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي، أمّا في مجالات كتابة المحتوى التنظيمي المؤسسي، من صياغة الوثائق، والأدلة العملية، والهياكل التنظيمية، فإنَّ المتوقَّع أن يتمَّ إنجاز نحو 80% من ذلك كله عبر تقنيات ذلك الذكاء التوليدي المتطور.
وأخيراً وليس آخراً، من المتوقَّع أن تغطّي تقنيات التفاعل عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي ما يزيد على 60% من تقديم خدمات المتعاملين والمستهلكين، وبكفاءة أكبر ممّا هي عليه اليوم. بيد أنَّ كلَّ ذلك لن يُغني عن الحاجة إلى التدخُّل البشري في مجالات الإبداع الفكري، والتعاطف والتفاعل البشري، وكذلك في مجالات الحوكمة الرشيدة، والضبط الأخلاقي والمهني، والتعليم والتدريب.
ومن منطلق ما تقدَّم، وضعت دراسة مكينزي، المشار إليها سابقاً، خريطة طريق مهمّة لحكومة الولايات المتحدة، للاستفادة وتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، ضمن خمس خطوات تفاعلية، تبدأ الأولى بالقيام بتحديد خطة عمل لتبنّي وإطلاق خدمات حكومية عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي، ثمَّ تشكيل فريق عمل يضع أسس وضوابط أخلاقية ومهنية لتبنّي الاستخدامات الذكية التوليدية، ثمَّ تأتي الخطوة الثالثة التي تقوم على تجهيز البيانات المطلوبة لغايات إطلاق وتشغيل الخدمات المحدَّدة، ومن ثمَّ تشكيل فريق عمل من المبدعين، والمختصين، القادرين على التعامل والتفاعل مع ذلك الذكاء التوليدي، وفي الختام تأتي الخطوة الأخيرة عبر إطلاق نماذج مرحلية تجريبية، يقوم من خلالها الذكاء الاصطناعي التوليدي بكافة العمليات المطلوبة، ويُترَك له التفاعل والإبداع في تنفيذ العمليات، على أن يكون ذلك ضمن مخاطر محسوبة ومتابعة وتقييم مستمرَّيْن. الذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح حقيقة، ينبغي للحكومات عبر العالم أن تبدأ باستغلاله واستثماره لتحسين مستويات أدائها، وتجويد خدماتها.
الحديث عن الأتمتة، والحكومة الإلكترونية، والتطبيقات الذكية التقليدية، سيصبح قريباً في عالم التقادم، وعلى الحكومات الجادة في تحسين الخدمات، وخلق البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات، أن تسعى إليه وفق خريطة طريق واضحة وجادة، بل واندفاعية.