حسين الرواشدة
لا وقت لدى الإخوان المسلمين للاشتباك مع ملف الانتخابات البرلمانية القادمة؛ في هذا السياق أكد أمين عام جبهة العمل الإسلامي أن الحزب قرر تجميد العمل بالانتخابات إلى حين انتهاء الحرب على غزة، أضاف : قرارنا للمشاركة بالانتخابات لم يحسم بعد.
ماذا يعني ذلك؟ الانتخابات شأن أردني، وقضية تهم الأردنيين، وترسم الخريطة السياسية القادمة لبلدنا، وهي استحقاق دستوري، تدفع الدولة باتجاه تنفيذه في موعده المحدد، لكن من وجهة نظر «الإخوان»، الحرب على غزة هي قضيتهم الأولى، وهي من تحدد مستقبلهم السياسي، فلماذا يدرجون أنفسهم في صميم المشروع الوطني الأردني واستحقاقاته، ولماذا ينكفئون للداخل، ويقلبون أولوياتهم السياسية، ثم لماذا ينسحبون من جبهة الحرب بعد أن تقدموا صفوف المجاهدين، لكي ينخرطوا في عملية انتخابية لا تعنيهم؟ تبدو الرسالة واضحة : الدولة الأردنية مشغولة بالانتخابات، ونحن مشغولون بالحرب على غزة، فأيهما يستحق التصفيق؟! هكذا يفكر الإخوان المسلمون، ويتصرفون أيضا.
منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، تقمص الإخوان دور «المقاومة»، كانت الحرب فرصة لاستعادة عافيتهم وحضورهم بعد أكثر من 10 سنوات على كمونهم، وإشهار الدولة الطلاق معهم، احتشدوا في الشارع واستفردوا به، ثم صبّوا هتافاتهم باتجاه تجريح الدولة والتشكيك بمواقفها، كان هدفهم البحث عن مقايضة سياسية تفتح أمامهم أبواب انتزاع الشرعية من جديد، لكن الدولة لم تستجب لهم حتى الآن، الأمر الذي دفعهم لمزيد من التحشيد والتعبئة الشعبية؛ الإخوان ليسوا مجرد تنظيم يتحرك بمنطق السياسة فقط، وإنما «عشيرة « كبيرة تتحرك في إطار ديني واجتماعي، خاصة عند الأزمات، كما أنهم مشروع أممي عابر للحدود والقارات.
حين ندقق أكثر في تصريحات أمين عام جبهة العمل الإسلامي، نكتشف مسألتين، الأولى : «الإخوان» صنفوا أنفسهم خارج دائرة «الاستحقاق الأردني»، الانتخابات ليست أولويتهم، ومشروع التحديث السياسي الذي شاركوا فيه يمكن أن يؤجل، ولمَ لا يؤجل ؟ ما دام أنه لا يشكل جزءا من مشروعهم العام، وحتى لو قرروا، لاحقا، المشاركة بالانتخابات، فإن التلويح المبكر بالمقاطعة يمكن أن يصب في خدمتهم، هذه ليست مناورة سياسية، فقط، وإنما محاولة للاستقواء على المجتمع والدولة.
المسألة الثانية : «الإخوان « دخلوا بورصة الحرب على غزة، وضعوا كل ما لديهم من أرصدة لشراء المزيد من الأسهم الشعبية، تصورا ان إدامة حالة الانفعال، والعزف على أوتار العواطف لكسب المزيد من التأييد، يصب في الصناديق الانتخابية، ولا بأس، ربما يقدم لأهل غزة القليل من الدعم المعنوي، لكن اللحظة المناسبة لحسم قرار المشاركة بالانتخابات مرتبطة بترتيبات ما بعد الحرب على غزة ؛ الإخوان جزء من هذه الترتيبات، وعليها يتوقف مستقبلهم السياسي.
هنا يجب أن ننتبه، ما ادلى به الأمين العام لا يندرج، فقط، في سياق قد يفهم منه التحريض على عدم المشاركة بالانتخابات انتظارا لحدوث «تطورات إيجابية للأوضاع في غزة»، وهو بالطبع موقف يتعارض مع الاستحقاق الوطني الذي يجري التحضير له مع نهاية العام، وإنما يندرج، أيضا، في إطار أخطر يتعلق بمحاولات تتصاعد لتحويل ملف الحرب على غزة في الأردن، من ملف سياسي إلى ملف أمني، هذا ما تريده إسرائيل، تحديدا، لتمرير أجندتها، وتصدير أزمتها إلى بلدنا.
أخشى ما أخشى، هنا، أن تأخذنا حالة التصعيد المتعمد في خطاب الشارع، وما يجري من تجييش للمشاعر، وعبث بالثوابت الوطنية، ودعوات غير بريئة لإصدار «فتاوى جهاد «، أو لفتح الحدود، أو غيرها مما نراه ونسمعه في بعض الجلسات المغلقة، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، أن تأخذنا إلى طريق «وعر «، يصب في خدمة الكيان المحتل اولا، ويضع بلدنا في مواجهات لا يريدها، ولا يسعى إليها.
هل لدى الإخوان المسلمون ما يشير إلى هذا «السيناريو»، أقصد حدوث أي تطورات مفاجئة لتداعيات الحرب على غزة في بلدنا، قد تدفع إلى تعطيل الانتخابات ؟ لا أدري، لكن ما افهمه هو أن ربط المشاركة بالانتخابات مع انتهاء الحرب يكشف عن إمكانية وجود رهانات لدى البعض تتعلق بمستجدات أو مفاجآت قادمة، تصب عكس اتجاه مسارات الدولة، ومواقفها اتجاه الحرب، وسواء أكانت هذه الرهانات بناء على معلومات، أو تخمينات، أو مخططات جاهزة، فإنها تستدعي مزيدا من التفكير والحذر، فصمود بلدنا يحتاج إلى جبهة وطنية متماسكة، لا تقبل منطق الفسطاطين، ولا ينطلي عليها منطق تفجير الأزمات، أو المتاجرة بالحروب.