صبري الربيحات

لا اظن ان في تاريخ مؤسساتنا المرتبطة بالشؤون الدينية من تطابق اللقب مع طلته كما حدث في حالة سماحة الشيخ أحمد هليل العجارمة.

فهو بهي الطلة سمح الملامح له ابتسامة تكشف عن التواضع الممتزج بمحبة الناس وصوت فيه من المودة والقرب ما يجعله مؤنسا ومريحا.

نشأ الدكتور أحمد هليل المنحدر من قبيلة العجارمة في عمان وفي بيت عبادة يقرأ فيه القرآن ويشهد اهله الاذان ويؤدون الصلوات الخمس.

والد الدكتور احمد هليل هو الشيخ محمد هليل رجل الدين التقي والمعروف أماما وخطيبا لجامع الشريعة في عمان . تعلم على يد الشيخ الشنقيطي في بدايات القرن الماضي وعمل لعقود إماما لمسجد الشريعة في جبل اللويبدة ليصبح واحدا من رجالات الدين الذين حظيوا باحترام وتقدير المصلين والسكان في منطقة غرب عمان.

لقد حرص الشيخ الزاهد الشكور ان يكمل رحلته في خدمة وطاعة الله يسكن في البيت المخصص للأمام ويرفض الانتقال الى غيره ما زال على قيد الحياة. وعندما دنى الاجل أوصى يرحمه الله ان تخرج جنازته من المسجد الذي صلى وعاش فيه على مدى إيام عمره...

على خطى والده الذي حمل الكثير من خصاله تعلم الشاب احمد محمد هليل العجارمة الشريعة وأصول الدين وحصل على الدكتوراة ليلتحق بالعمل في السلك التعليمي الجامعي وقبل أن يصبح أبرز الاعلام الذين تولوا غالبية المواقع العليا للشؤون الدينية في الدولة.

على مدار العقود الثلاثة التي مضت عين الدكتور أحمد هليل امينا عاما لوزارة الأوقاف ووزيرا لها وقاضيا للقضاة وخطيبا واماما للحضرة الهاشمية وقد قام بعشرات ان لم يكن مئات الأدوار والمهام ذات العلاقة بمراكزه.

كانت الدروس الدينية التي يقدمها الشيخ هليل تلامس وجدان السامع و المشاهد والمتابع وكان لصوت قراءته وتلاوته وقع كبير على القلب والوجدان .

في شباط من عام ١٩٩٩ وعندما ودع الأردن والعالم الراحل الكبير الحسين بن طلال كان الدكتور هليل اماما للحضرة الهاشمية . يومها كان الشيخ أحمد هليل أمام الصلاة التي أقامها المشيعون لجثمان الملك الراحل ...يومها صلى خلف الامام ما يزيد على ٥٥ ملك ورئيس وأمير وزعيم عربي واسلامي والمئات من رجال العالم الذين حرصوا على ان يكونوا في وداعه.

الأردنيون يتذكرون النداء الذي أطلقه الدكتور هليل للأشقاء العرب ودعوته لهم بأن لا يخذلوا الأردن ...كان الدكتور هليل يعلم بفطرته وحسه الطبيعي الشفاف ان هناك استدارة عربية باتجاهات مختلفة ...البعض لم يعجبه ما قاله الشيخ لكنه عبر عن ما شعر ويشعر به كل محب للبلد.

اليوم ونحن نرصد ظهور هلال رمضان أتذكر الدكتور هليل الذي أعاد أحياء طقوس التحري للهلال والتفاف العشرات من الشيوخ والرسمين حوله في هذا الطقس المهيب وتستمر الأطفال والكبار أمام شاشة التلفاز لسماع رأي الشيخ هليل وقرار مجلس الإفتاء فيما اذا كان الصيام غدا أو بعد غد.

قبل قليل هاتفنا الشيخ وتمنينا له الصحة والسعادة وقلنا له لقد تغير طعم التفاح واصبح لكل الأشياء دلالات جديدة ...تحية لك يا دكتور هليل وأطال الله في عمرك وأدام عليك نعمه.