أخبار اليوم - اضطر عدد من مزارعي وادي الأردن إلى بيع محاصيلهم الزراعية لمربي الماشية، بعد فشل بيعها في الأسواق المركزية بأسعار تساوي على الأقل كلف قطافها وتسويقها.
ففي ظل الظروف السيئة التي يمر بها القطاع الزراعي -وفق مزارعين- نتيجة تردي أسعار البيع وارتفاع كلف الانتاج وغياب الأسواق التصديرية، لم يجد العديد منهم بدا من إنهاء محاصيلهم، لتفادي أي خسائر قد تلحق بهم نتيجة قطافها وتوريدها للاسواق المركزية.
الشاهد، إن الأوضاع التي يواجهها المزارعون لا تنحصر بمنطقة وادي الاردن، فقد شكا مزارعون بالأغوار الجنوبية من ذات المعاناة، وأكدوا في تقرير نشرته "الغد"، أن أسعار بيع العديد من أصناف الخضروات متدنية، ولا يمكن معها تحصيل هامش من الربح.
كما لفتوا إلى عمليات بيع تتم بشكل مباشر على الطرقات، على أمل تحصيل أسعار أفضل من البيع بالسوق المركزي الذي تهاوت أسعار بيع غالبية أصناف الخضار خلال الفترة الماضية.
كما أورد التقرير أن الأسعار المتدنية تدفع بالعديد من صغار المزارعين إلى التوقف عن بيع منتجاتهم للأسواق المركزية للخضار والفواكة، بل بيعها بشكل مباشر للمواطنين، أو للباعة الموسميين على جوانب الطريق العام بالأغوار الجنوبية.
ووفق العديد من المزارعين، فإن أسعار الخضار وصلت لمستويات غير مجدية، حتى لقطافها.
وجاء في التقرير وحسب ما أكده مزارعون، أن سعر صندوق البندورة بلغ حوالي 60 قرشا، وهو المحصول الأكثر اعتمادا في تحصيل هامش من الربح، في حين أن بقية الخضار تباع بالأكوام بديلا عن بيعها بالكيلو.
اللافت، أن حديث المزارعين عن تدني أسعار بيع العديد من المحاصيل بأصنافها المختلفة، يغاير تصريحات مديرية زراعة الأغوار الجنوبية، والتي أبدت تحفظها على تقرير "الغد" آنف الذكر، وردت في توضيح لها على لسان مديرها مــأمـون العضايلة "بأن أسعار معظم المحاصيل الزراعية من بداية الموسم الزراعي في لواء الأغوار الجنوبية جيدة لغاية تاريخه، وأن ما ورد في تقريركم لم يتم استشارتنا بدقة معلوماته مسبقاً".
حسم جدلية الربح والخسارة، أمر شائك، لاسيما وأن هناك محاصيل تخسر، وأخرى تربح، وبعضها تنطبق عليه معادلة "رأس برأس".
في هذا الخصوص، يؤكد تجار أن معظم الأصناف المزروعة بوادي الأردن هي زراعات محمية، كلفها مرتفعة، وأي محصول يباع في السوق المركزي بأقل من دينارين يعتبر خاسرا، مبينين أن سعر بيع صندوق الخيار يتراوح ما بين 2 – 3 دنانير والبندورة ما بين 1.8 و2 دينار للصندوق والكوسا ما بين1.7 – 2 للصندوق والبطاطا ما بين 2.25 و 2.5 دينار للصندوق والفلفل بنوعيه الحار والحلو يباع ما بين 1 و1.5 دينار للصندوق في حين أن بعض الأصناف لم تورد إلى السوق لتدني أسعارها وعلى راسها القرنبيط أو الزهرة.
ويؤكد التاجر خالد الطالب أن معظم أصناف الخضار التي تباع في سوق العارضة حاليا أسعارها دون الكلفة، مبينا أن محاصيل الفلفل بنوعيها الحلو والحار والبطاطا والبندورة والكوسا والخيار تباع بخسارة كونها محاصيل محمية وكلف إنتاجها مرتفعة مقارنة بالزراعات المكشوفة. ويضيف أن غالبية المزارعين يضطرون لقطاف محاصيلهم للحفاظ على النبات على أمل أن تتحسن الاسعار، علما أن الإنتاج الحالي قليل، وأي زيادة سيكون لها آثار كارثية في ظل غياب الأسواق التصديرية.
في المقابل، يوضح المزارع محمد العجوري أنه تكلف مبلغ 8 آلاف دينار لزراعة محصول القرنبيط ورعايته حتى الوصول لمرحلة القطاف، لافتا إلى أنه قام بتوريد أربع سيارات محملة بالمنتج وبيعها في السوق إلا أنها بيعت بسعر أقل من أجور القطاف والتوضيب والنقل، ما اضطره إلى دفع أجور العمال من جيبه والتي بلغت 400 دينار.
ويتابع: أنه بعد ذلك توقف عن القطاف، واضطر لبيع المحصول لمربي الماشية مع ما تكبده من خسارة فادحة، ليتمكن من حراثة الأرض وزراعتها بمحصول آخر، مشيراً إلى أن معظم المحاصيل الزراعية تواجه نفس المصير، باستثناء المحاصيل التي تجد إقبالا على شرائها كالخيار والبندورة والكوسا، والتي على أقل تقدير تباع بثمن يدفع الخسارة عن صاحبها.
ويؤكد مزارعون أن كلف جني المحصول وتعبئته بصناديق وتوريده إلى الأسواق المركزية تفوق ثمن البيع، ما يلحق بهم خسائر هم في غنى عنها، لافتين إلى أن محاصيل القرنبيط والفلفل بنوعيه والبطاطا والورقيات ومحاصيل أخرى تباع بخسارة وبعضها يباع "راس براس" على حد تعبيرهم كالباذنجان والبندورة.
ويبين المزارع عاطف شاكر أن السواد الأعظم من المزارعين يعانون مصاعب جمة نتيجة تراجع أسعار البيع، إذ إن غالبيتهم لم يتمكنوا إلى الآن من سداد ديون الموسم ككلف مستلزمات تجهيز الأرض، والزراعة، والعناية بالمحصول، وأجور العمال، مضيفا أن تدني الأسعار كما هي عليه الآن سيكبد المزارعين خسائر مؤكدة.
ويوضح أن بيع بعض المحاصيل لمربي المواشي سيعود عليهم ببعض السيولة التي ستمكنهم من دفع جزء من أجور العمالة على أقل تقدير، موضحا أن المزارع في غنى عن تكبد خسائر جديدة مع استمرار تردي أسعار بيع الخضار في الأسواق المركزية والتي الحقت بهم خسائر كبيرة.
ويؤكد مزارعون أنهم قاموا بتوريد منتوجاتهم إلى الأسواق المركزية وفوجئوا بأن هناك عجزا في الفاتورة بين كلف القطاف والتوريد ومردود البيع، ما دفعهم إلى التوقف عن قطاف المحصول لتجنب خسائر إضافية، منوهين إلى أن أي محاولة لتسويق المنتوجات سيجبر المزارع على دفع أجور العمالة والنقل من جيبه الخاص، لاسيما وأن شركات الكمسيون تقتص أجورها من ثمن البيع بشكل مباشر.
من جانبه، يؤكد رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان خدام أن ارتفاع أسعار البذور والأسمدة الزراعية والمبيدات وأجور العمالة وكلف الإنتاج الأخرى شكل تحديا كبيرا أمام المزارع الذي يحاول النهوض والاستمرار في العمل، موضحا أن تدني أسعار البيع بأقل من كلف التسويق يكبد المزارعين خسائر حتمية تزداد مع ارتفاع كلف الإنتاج.
ويبن أن المزارع المثقل بالديون لم يعد بمقدوره تحمل خسائر جديدة ما دفعه إلى التوقف عن جني المحصول وبيعه لمربي الماشية، مبينا أن آخرين قاموا باقتلاع المحاصيل واستبدالها بمحاصيل جديدة على أمل تعويض ما يمكن تعويضه قبل انتهاء الموسم الزراعي.
ويلفت إلى أن القطاع يواجه ظروفا استثنائية وغير مسبوقة ويعاني من تحديات ومعيقات وعراقيل جمة نتيجة غياب التصدير إلى الأسواق الخارجية، موضحا أن غياب الأسواق التصديرية تسبب بوجود فائض في الإنتاج انعكس على أسعار البيع التي تدنت لمختلف المحاصيل بشكل كارثي.
بدوره، قال مدير زراعة وادي الأردن المهندس ياسين العدوان إن الوزارة تسعى جاهدة للنهوض بالقطاع الزراعي من خلال توفير السبل اللازمة لحل مشكلة التسويق، والتي تعد أهم تحد يواجه المزارع، مضيفا أن الوزارة بدأت فعليا بتنفيذ خطة لاستيعاب فائض الإنتاج من خلال تشجيع الزراعات التعاقدية والبدء بإنشاء مصانع للصناعات الغذائية التي تعتمد على المنتجات الزراعية.
وأوضح أن الوزارة ليس لها علاقة بمشكلة تدني أسعار بيع المنتجات كون هذه العملية تخضع لقانون العرض والطلب، ناهيك عن أن ارتفاع كلف الإنتاج كالأسمدة والبذور وما إلى ذلك تخضع هي أيضا للعرض والطلب، إلا أن الوزارة قامت مؤخرا بالسماح وتشجيع شركات زراعية جديدة للعمل على خلق تنافسية تسهم في خفض أسعار مستلزمات الإنتاج.
الغد