العقيلي يتحدث لـ "أخبار اليوم" عن طبيعة العلاقات الأردنيّة السوريّة في ظل الأحداث الحدوديّة.
العقيلي لـ "أخبار اليوم": العلاقات الأردنيّة السوريّة متوترة نتيجة عدم قدرة النظام السوري على ضبط حدوده.
العقيلي: المصلحة الأردنيّة تقتضي سوريا آمنة ومستقرة
العقيلي: عودة الدفء للعلاقات الثنائية مرهون بتجاوب النظام السوري مع تحذيرات الأردن من خطورة الأنشطة على حدوده الشماليّة.
العقيلي: عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود تستهدف دول الخليج كما تستهدف الأردن
أخبار اليوم - سمير الصمادي - تشهد العلاقات الأردنيّة – السوريّة تذبذبًا واضحًا منذ اندلاع الثورة السوريّة عام 2011، حين تردّت العلاقات بين الدولتين بسبب الأزمة السوريّة وتداعياتها وموقف البلدين منها، فتميزّت تلك العلاقات "بالتلاسن والتراشق" الدبلوماسي، إلى أن دخل عام 2019 حاملًا معه تحسنًا ملحوظًا في العلاقات، من خلال زيادة التمثيل الدبلوماسي وتبادل الزيارات الرسميّة بين مسؤولي البلدين، وقد سعى الأردن جاهدًا العام الماضي لإعادة سوريا للجامعة العربية، في إشارة جديدة على تحسُّن العلاقات بين الجانبين.
مع ازدياد عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السوريّة وازدياد نشاط الجماعات المدعومة من إيران في الجنوب السوري، وعدم قيام الحكومة السوريّة بما يلزم من إجراءات لتحييد خطر تهريب المخدرات، وتجاهل شكاوى وتحذيرات الأردن من خطورة هذه الأنشطة على حدوده الشماليّة؛ عادت العلاقات بين البلدين إلى الفتور والجفاء السياسي.
شكل التفاعل بين البلدين
أستاذ العلاقات الدوليّة في كليّة الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدوليّة الدكتور مازن العقيلي، قال لـ"أخبار اليوم"، إنَّ طبيعة العلاقات الأردنيّة السوريّة تعتمد على المصالح السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة القائمة بين البلدين، والقواسم الاجتماعيّة والثقافيّة المشتركة، يعكس ذلك توقيع الأردن وسوريا مجموعة من الاتفاقيات التي تنفذ رغبة ومصالح البلدين بشكل واضح ومحدد.
وهذه الاتفاقيات هي التي تنظِّم شكل التفاعل بين البلدين، وتحدد طبيعة التعاون بينهما، كالاتفاقيات الاقتصاديّة من خلال حركة التجارة، والزراعيّة التي تُعنى باستيراد المواد والمنتجات الزراعيّة السوريّة، والأمنيّة التي تضبط حدود الدولتين، واتفاقية المياه والربط الكهربائي.
وأوضح العقيلي أنَّه نتيجة للفوضى والانفلات الأمني غير المسبوق في الداخل السوري، وعدم قدرة النظام على ضبط حدوده الجنوبيّة، وَضَعَ الأردن في هذه المواجهة؛ فزادت التزاماته الأمنيّة، وأصبحت الكُلفة عالية جدًا على الحكومة الأردنيّة، لأنها تحمي الحدود من جانبٍ واحد، والجهود التي يبذلها الأردن في سعيه للمحافظة على أمن حدوده الشماليّة؛ أنهكت الدولة وهي مكلفة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا.
الانسحاب الروسي
وبيّن العقيلي أنَّ الانسحاب الروسي من الجنوب السوري؛ بسبب التفاهمات الأردنيّة الروسيّة فيما يتعلق بأمن الحدود، وبسبب الحرب الأوكرانيّة، ساهم ذلك في إفراغ المناطق الحدودية من القوات، مما ساعد على انتشار الجماعات المتحالفة مع إيران في تلك المناطق.
يرى العقيلي أنَّ ثلاثة ملفات مهمة بين الجانبين حَلَّها يؤثر في شكل العلاقات الثنائيّة وهي: اللاجئون، والتسلل وتهريب الأسلحة والمخدرات، والمليشيات المدعومة من إيران في الجنوب السوري.
العلاقات الأردنيّة السوريّة متوترة
وأشار إلى أنَّ العلاقات الأردنيّة السوريّة متوترة إلى حدٍ ما، نتيجة عدم تجاوب سوريا مع التفاهمات الأردنيّة السوريّة حول البعد الأمني والسياسي، وهذا التوتر سيبقى طالما بقيت المليشيات والتنظيمات المدعومة من إيران على الحدود الأردنيّة السوريّة، وطالما بقيت عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود، وهي تستهدف دول الخليج كما تستهدف الأردن؛ يعني ذلك بقاء التهديد والخطر على الأردن وجيرانه وأمن المنطقة واستقرارها، الأمر الذي لم، ولن يقبله الأردن.
وأكَّد العقيلي أنَّ سوريا لم تغيّر من سياساتها الداخليّة والخارجيّة، لأنها تعتبر عودتها للجامعة العربيّة جاءت رغمًا عن الدول العربيّة، نتيجة حاجة تلك الدول للنظام السياسي السوري للمحافظة على الاستقرار وكبح جماح الجماعات المتطرفة في الداخل السوري.
ويعتقد أنَّ مستقبل العلاقات بين البلدين سيبقى كما هو عليه الآن، إلَّا في حال التوصل لتفاهمات مشتركة وحَلّ القضايا الإقليميّة العالقة، وتبلور الدور الإيراني وكبح جماحه في المنطقة، والتفاهم مع إيران حول دورها الإقليمي، وإبعاد المليشيات عن الحدود والحد من دورها، وإيقاف ومنع التهريب على الحدود، وحَلّ الأزمة السورية لضمان العودة الآمنة للاجئين، حينها ستتحسَّن العلاقات بين الجانبين.
ممارسة الضغوط على الأردن من خلال التهريب
وأشار أستاذ الدراسات الدوليّة إلى أنَّ عدم وجود ردود أفعال رسميّة من الحكومة السوريّة على أحداث الجنوب السوري، يعني استمرار الأنشطة وخلق حالة من الفوضى من خلال هذه الجماعات والتنظيمات؛ لممارسة الضغوط على الأردن من خلال التهريب عبر حدوده إلى دول الجوار، لإعادة تقييم الموقف السياسي الأردني.
ولفت العقيلي إلى أنَّ الأردن سعى لإعادة سوريا للجامعة العربيّة، رغبة من الدولة الأردنيّة في احتواء النظام السياسي السوري والتخفيف من حدة التوتر معه نتيجة الأزمة، وإعادة العلاقات مع سوريا في سبيل التوصل لحل سياسي للأزمة السوريّة؛ يؤدي ذلك إلى بناء النظام السوري مجددا على مجموعة من القواعد السياسيّة والتنظيميّة، التي يمكن من خلالها إعطاء الشعب السوري حقه في تقرير مصيره ومشاركته في صنع القرار السياسي، مع تبني النظام السياسي السوري سياسات أكثر اعتدالًا مما هو عليه الآن.
ماذا يعني الاستقرار في سوريا؟
ويرى النظام السياسي الأردني أنَّ الاستقرار السياسي والأمني في سوريا، وهيمنة الحكومة المركزيّة على الحدود السوريّة، يمكن أن يجبر سوريا على أن تتحمل مسؤوليتها الأدبيّة والسياسيّة والتعامل وفق اعتبارات حُسن الجوار، وعندما يمارس النظام السوري سُلطته السياسيّة وصلاحياته المطلقة على أراضيه وحدوده؛ حينها يمكن أن تنضبط المليشيات والجماعات الموجودة على الأراضي السورية، وتتماشى مع الأعراف والقواعد الدوليّة المُتّبعة والمرعيّة بين الدول، فالمصلحة الأردنيّة تقتضي سوريا آمنة ومستقرة، بحسب العقيلي.
وبيّن أنَّ الاستقرار في سوريا يعني عودة الحركة الاقتصاديّة والتجاريّة بين البلدين، وعودة الاستيراد والتصدير كما كان عليه في السابق، فالأردن يستورد العديد من البضائع السوريّة والمنتجات الزراعيّة، وبحكم الجوار فإن حركة التجارة وأجور النقل لا تُكلِّف مبالغ مالية مقارنةً مع أجور النقل عن طريق البحر، كما أنَّ الزراعة في الجانب السوري أرخص وأقل تكلفة منها في الأردن، ما من شأنه رفع سويَّة الاقتصاد المحلي.
وأكَّد العقيلي أنَّ توجهات النظام السياسي الأردني تسعى للتوصل لحل شامل للأزمة في سوريا والبدء في إعادة الإعمار وتوفير البيئة والبنية التحتيّة المناسبة؛ ما يشجع اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم وفق تفاهمات واتفاقيات وضمانات دوليّة تضمن العودة الآمنة لهم وعدم معاقبتهم من قبل النظام السوري، يعني ذلك تخفيف الأعباء المالية الكبيرة التي تضغط على الدولة الأردنيّة واقتصادها جَرّاء اللاجئين، الأمر الذي سيعود بالنفع على الاقتصاد الأردني وتخفيف الضغط على البنية التحتيّة والخدمات التي تقدمها الحكومة الأردنيّة، كما أنَّ ذلك يساهم بشكل كبير في التخفيف من الأعباء الأمنيّة والسياسيّة على الأردن.
الدور الإيراني
وأوضح أنَّ إيران ترغب أن تقتحم الجانب والحدود الأردنيّة، بحيث تخلق حالة من عدم الاستقرار والإرباك، وتمارس ضغوطات عسكريّة وأمنيّة واقتصاديّة على الأردن، وعلى نظامه السياسي؛ ليتماشى ويتوافق مع مصالحها في المنطقة في البعد الأمني والسياسي.
مضيفًا أنَّ الأردن يتحفظ على الوجود الإيراني في العمق السوري، لأن إيران ومن خلال جماعاتها تريد المساس بأمن الأردن؛ من خلال تهريب المخدرات والأسلحة المتطورة بأشكالها المختلفة، ومن هنا يأتي الخوف من استخدام تلك الأسلحة وتوظيفها لتشكيل تنظيمات أو خلايا نائمة داخل الأردن، تبدأ بالعمل عندما تطلب إيران منها ذلك؛ ما من شأنها إحداث فوضى سياسيّة وعدم استقرار أمني داخل المملكة.
لا يوجد أُفق لحَلّ سياسي للأزمة السورية في القريب العاجل
ويتوقع العقيلي أنَّه لا يوجد أُفق لحَلّ سياسي للأزمة السورية في القريب العاجل، لأنَّ النظام يريد إبقاء حالة الفوضى حتى يتمكن من استخدام القوة المفرطة في مواجهة معارضيه، وبقاء الوضع الراهن في مصلحته، وبسبب أنَّ حالة الفوضى أوجدت موطئ قدم للمليشيات الإيرانيّة، وأصبحت ذريعة لبقائها وتمددها في جنوب سوريا.
ووفق أستاذ الدراسات الدوليّة، فإنَّ استمرار التنسيق مع الولايات المتحدة لوقف التهديدات الأمنيّة على الحدود الشماليّة، والإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع النظام السوري، وجديّة التحركات الدبلوماسيّة للضغط عليه، واستمرار الجهود الأمنيّة والعسكريّة المبذولة على الحدود لمواجهة التهديدات الحقيقيّة من الجماعات المتطرِّفة ومكافحة عمليات التسلل والتهريب، هي الخيارات والأدوات التي يمتلكها الأردن في التعامل مع النظام السوري في ظل أحداث جنوب سوريا.
وأكَّد العقيلي أنَّ الموقع الجغرافي الأردني يضع الأردن في قلب الأزمات الإقليميّة وتأثيراتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فطبيعة الحدود الأردنيّة مع دول الجوار التي تشهد صراعات وأزمات تفرض على الأردن نتائج وتأثيرات هذه الصراعات.