أخبار اليوم - الأصل أن العلاقة بين الزوجين مبنية علي الحب والمودة؛ قال تعالي: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ( الروم : 21)، ومع ذلك فإن هذه العلاقة معرضة لحصول الخلاف، وتباين الآراء، وهذا لا يعني انتهاء العلاقة، والتنكر للحقوق، بل قد جعلت الشريعة سبلا لمعالجة الخلاف، وتلافي آثاره، وفي السنة على وجه الخصوص من التوجيهات القولية، والتطبيقات العملية ما يكفل معالجات لكثير من الخلافات الزوجية.
أولا: الواقعية
لا بد في معالجة الخلافات الزوجية من تثبيت قاعدة مهمة وهي أن الخلاف في الرأي بين الزوجين أمر يندرج ضمن الطبيعة البشرية، ويجب أن يتعامل معه بواقعية، ويدل على هذا الأصل الروايات التي تدل على حصول الخلاف في البيت النبوي.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: « لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتين قال الله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} حتى حج عمر وحججت معه.. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} قال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس - قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه - قال: هي حفصة وعائشة، ثم أخذ يسوق الحديث. قال: كنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي، فتغضبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن، وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة - قال: وكان لي جار من الأنصار، فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي ثم أتاني عشاء فضرب بابي، ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم! قلت: ماذا؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا كائنا، حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلاما له أسود، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم خرج إلي، فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى انتهيت إلى المنبر فجلست، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلا، ثم غلبني ما أجد، ثم أتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر فدخل، ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت، فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، فقد أذن لك فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكئ على رمل حصير، قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلي، وقال: لا، فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت على امرأتي يوما، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة، فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم منك، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم أخرى فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ قال: نعم، فجلست، فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة. فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا، ثم قال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله عز وجل».
وفي هذا بيان أن الخلاف بين الأزواج جبلة بشرية، وإنما جاءت الشريعة بالتخفيف منه ومعالجة آثاره، والتعامل معه بواقعية وموضوعية.
ثانيا: التعامل بين الزوجين على أساس الرحمة والمودة
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في حفظ المودة، والتعامل بالرحمة مع نسائه، وهذا يساعد على سرعة احتواء الخلاف، والقدرة على معالجته، والحد من آثاره.
ففي مسند الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان، وتناولها: أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، قال: فلما خرج أبو بكر رضي الله عنه جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها – يترضاها-: "ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك، قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها، قال: فأذن له فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله، أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما.
وروى البخاري في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبي" قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: "إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبي قلت: لا ورب إبراهيم" قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك.
وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن الطيبي في قول عائشة: أجل يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك" قوله: هذا الحصر لطيف؛ لأنها أخبرت أنها في حال الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة.
والمحبة والرحمة بين الزوجين هو الأصل، وقد تدوم العشرة بالرحمة والرأفة، بحيث يكون لأجل الأولاد، أو حاجة المرأة للنفقة، أو سوى ذلك من الأغراض، فما كل البيوت قائمة على الحب.
ثالثا: الصبر
لا يتصور أن تستمر حياة بين زوجين دون أساس الصبر، فهو أهم عوامل البقاء، وأسباب النجاح في العلاقة الزوجية، وأهم وسائل المعالجة للخلاف بين الزوجين، فما كل المشاكل تحل بالمحاصصة واستنظاف الحقوق، بل بالصبر تحل كثير من أسباب الخلاف والشقاق.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استعملت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها". رواه مسلم في صحيحه.
قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: "في هذا الحديث: ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعفهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأن لا يطمع باستقامتها".
رابعا: التعامل بالثقة وحسن الظن
كثيرا ما تنشأ الخلافات بين الزوجين بسبب انهدام بناء الثقة بين الزوجين، وتسلل سوء الظن إلى العلاقة بينهما، والأصل أن تقوم العلاقة على حسن الظن والثقة ما لم تظهر العلامات والقرائن الحقيقية على خلاف ذلك، وعندها تأتي معالجات تخص تلك الحالة الاستثنائية.
ولذلك عاب الرسول عليه الصلاة والسلام على عائشة رضي الله عنها وأنكر عليها غيرتها عليه، وتتبعها له حين خرج من عندها ليلا قائلا لها: "أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله"! رواه مسلم في الصحيح.
كما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام أتباعه عن مباغته أزواجهم عند عودتهم من السفر، كما في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا يتخونهم" . وفي رواية أخرى عند مسلم: "يتخونهم ويلتمس عثراتهم".
خامسا: استخدام لغة الحوار بين الزوجين
من أهم وسائل المعالجة للخلافات الزوجية الإقناع بالمحاورة، ومناقشة الآراء، والمحاججة بالحكمة، ولذلك حين يغيب الحوار والنقاش في العلاقة الزوجية تتعقد المشاكل، وربما تؤول إلى فشل تلك العلاقة.
ومما يمكن أن يستشهد به في هذا المقام هي المقولة المشهورة لأبي الدرداء لزوجة ينصحها: "إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبي رضيتك، وإلا لم نصطحب" أخرجه الترمذي في السنن.
هذا إتمام لذكر المعالجات النبوية للخلافات الزوجية، وفي السنة معالجات كثير، كالإقرار بمبدأ القوامة، ومعرفة حدوده، وتعظيم رباط الزوجية الذي سماه الله ميثاقا غليظا، ومراعاة المشاعر بين الزوجين، والتغافل عن الأخطاء المحتملة، واحتساب الأجر في تحمل أحد الزوجين للآخر، وتجديد المودة بين الزوجين بالهدية وغيرها من الوسائل المعاصرة، وحين لا يمكن احتواء الخلاف بينهما فيعالج بالتحكيم، والهجر الجميل، وغيرها من المعالجات الناجحة التي دلت عليها السنة النبوية.