حسين الرواشدة
المؤكد أن القتال (العدوان) في غزة سينتهي خلال الشهور القادمة، لكن، في تقديري أيضا، الحرب في هذه المنطقة لن تتوقف.
خلال هذا العام 2024 سنشهد عمليات تسخين عسكري وسياسي، وستُطلق العديد من المبادرات لتسويات وصفقات مقترحة، الأقطاب الفاعلون في هذه المنطقة، من داخلها وخارجها، سيتبادلون اللكمات والمصافحات، وهم يدركون، تماما، أن ساعة الحسم الحقيقية، لتسديد الفواتير، ستكون العام 2025، كل الملفات المعلقة ؛ ملف واشنطن طهران، ملف تل أبيب الداخلي، ملف القضية الفلسطينية، ملف التحالفات في الإقليم ومع الخارج.. الخ، بانتظار إدارة أمريكية جديدة، الأغلب أنها تتجه إلى الجمهوريين، أقصد ترامب تحديدا.
قلت: نحن أمام حرب مستمرة، ربما تتنوع أشكالها وأدواتها، وربما لا نستطيع، الآن، معرفة الخاسرين أو الرابحين فيها، وربما تنتهي إلى رسم خرائط جديدة لهذه المنطقة، وربما نشهد فيها مفاجآت لم نتوقعها، لكن لا بأس، حين ندقق في الصورة نكتشف أن إيران أصبحت قوة معتبرة في هذه المنطقة، فيما تركيا انكفأت على نفسها، أما العرب فبدون مشروع، وبلا رأس وبلا تأثير، نكتشف، أيضا، أن القضية الفلسطينية ستدرج في ملحق النسخة الجديدة من «صفقة القرن» التي اشهرها ترامب قبل ثلاث سنوات، وأن (حل الدولتين ) سيكون مجرد سلم للنزول عن ممنوعات التطبيع، نكتشف، ثالثا، أن واشنطن ستعود بقوة إلى منطقتنا، ومعها «عصا» لتأديب إيران، و «جزرة» لإخراج إسرائيل من هزيمتها الاستراتيجية، و»فزّاعة» لتخويف العالم العربي وابتزازه.
في هذا السياق الملغوم، السؤال: كيف يفكر الأردن للتعاطي، سياسيا، مع هذه المرحلة، ومع القادم أيضا؟ الخيارات تبدو محدودة، كما أن خارطة التحالفات واضحة، ولا أتوقع أن تتغير، وبالتالي فإن أمامنا ثلاثة عناوين، الأول : التكييف مع وقائع العام الحالي ومخاضاته، وعدم التسرع في لعبة السباق على الأدوار، والمحافظة على حالة التموضع الذاتي، أو الانكفاء على الداخل، انتظارا لمعرفة مسارات الحرب وتداعياتها.
العنوان الثاني : الانتقال، تدريجيا، ووفق قراءات مدروسة من حالة الرهان على إدارة بايدن، بما رافقها من استرخاء، ثم إقلاع سياسي مأمون نسبيا، إلى «استطلاع» ما تفكر به الإدارة الأمريكية القادمة، أقصد الجمهوريين، (والدولة العميقة)، مهمة الأردن (كما كانت في مرحلة ترامب الأولى) ربما ستكون صعبة، لكن لدينا أوراق يمكن استخدامها للتعامل مع المرحلة الجديدة، ولابد أن نبدأ الاستعداد من الآن، وأعتقد أننا بدأنا.
العنوان الثالث : ترتيب البيت الداخلي على قاعدة (لمّ الشمل الوطني)، ربما يكون موسم إجراء الانتخابات البرلمانية، هذا العام، فرصة لإنجاز ذلك، لكن لابد أن نبدأ بتهيئة المناخات السياسية، من خلال إعادة تقييم جريئة لما حدث على صعيد مسار التحديث السياسي ومخرجاته، ثم إنتاج طبقة سياسية موثوق بها، وإدارات عامة بمسؤولين قادرين على حمل المرحلة، والتعامل معها بشجاعة، زد على ذلك بناء علاقة جديدة بين هذه الإدارات وبين المجتمع لاستعادة الثقة بينهما، و» تجبير» ما انكسر من وسائط اجتماعية وسياسية، وصولا إلى إفراز مشروع وطني، يتبنى فكرة «الدولة الأردنية « نقطة، باعتبارها هدفا وغاية، وباعتبار كل القضايا الأخرى أولويات ثانية، تدور في فلك هذه الفكرة.
صحيح، ترتيب العلاقات مع الخارج، ومع الإقليم (العمق العربي والسعودية تحديدا) للتعامل مع إفرازات الحرب على غزة، وضمان دور أردني يحافظ على المصالح العامة والأمن الوطني، مسألة مهمة وضرورية، ولدى الدولة الأردنية، بحكم خبراتها المتراكمة، ما يلزم من إمكانيات للنجاح في هذا المسار، أو على الأقل للتكيف مع مخرجاته، والتقليل من الخسائر المتوقعة، لكن الصحيح، كذلك، هو أن ترتيب الداخل، على قاعدة تحصين الجبهة الداخلية، وإنجاز الحد المناسب من «الاعتماد الذاتية»، وعقلنة الخطاب العام، وإطلاق مرحلة التحديث بمساراتها الثلاثة، هذا الترتيب مهم أيضا، لأنه يشكل الأساس لإنتاج حالة «التوازن والتعافي الوطني»، وسط إقليم ملتهب بالتحولات والمفاجآت.